اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. والتعبير باللغة والفهم عنها يقتضي أمرين:
١ - السرعة؛ فكلما خطر بباله معنى خطر اللفظ الدال على مفرداته، وخطر التركيب الدال عليه في وحاء، وكلما سمع جمله فهم معاني ألفاظها وما يدل عليه التركيب
٢ - الإجادة؛ وذلك بأن يكون جارياً على قوانين هذه اللغة لا يخطئ فيها، وذلك لا يكفي في أن تكون اللغة معلومة فحسب، بل لا بد أن تكون ملكة، أي حالة راسخة في النفس، لأنها إذا كانت معلومة علماً ساذجا ولم تصر ملكة، وأراد المتكلم التعبير عن معنى، فكر وروى في اللفظ الذي يدل على ذلك المعنى، واستعرض الألفاظ المخزونة في حافظته حتى يعثر به، ثم فكر فيما يعلمه من تراكيب هذه اللغة ليختار التركيب الذي يفيد ذلك المعنى، ووضع اللفظ في هذا التركيب، وأعطاه الأحوال المناسبة، وذلك يقتضي جهداً وزمناً، وربما ينقضي بياض النهار وسواد الليل في تعبيرين أو ثلاثة، ما دامت اللغة علماً ساذجا. أما إذا عمقت إلى أن صارت ملكة، فإنه إذا أراد التعبير عن معنى انثالت عليه الألفاظ، وانثالت عليه التراكيب دون جهد ومشقة، سريعاً لا يبطئ، مصيباً لا يخطئ
وقياس ذلك قياس العامل الذي يصف الحروف للطبع، فإنه إذا كان مبتدئا واقتصر على العلم بأمكنة الحروف، وأراد بعد هذا العلم الساذج أن يصف حروف كلمة اقتضاه ذلك من التفكير والجهد والزمن ما ليس بالقليل، وربما انقضى اليوم ولم يصف إلا بضع كلمات
أما إذا تجاوز ذلك إلى أن صار ملكة، فإنك ترى يده تلقط الحروف من هنا ومن هنا، وفكره يسبق يده، ويده تسبق فكره، حتى يصف في الدقيقة عدة كلمات
وهذا شأن الملكات كلها تأتي بالشيء بعجلة وإتقانٍ، وتريك العجب العجاب، ترى الأمر الذي له أجزاء كثيرة ويحتاج إلى فكر في هذه الأجزاء يأتي به صاحب الملكة دون فكر كأنما هو ساحر يأتي بالخوارق
رآني صديق أمي، كان قد بدأ في تعلم القراءة والكتابة أقرأ فهالته السرعة والإصابة، فقال أتظنني أصدقك في أنك تقرأ من هذا الكتاب؟ لا، إنك تقرأ من حفظك. أمجنون أنا حتى أصدق أنك تقرأ ما لا تحفظ؟ أفي هذه السرعة تعلم ما هذا الحرف وما الذي يليه وهكذا وتعلم حالاته أمفتوح أم مضموم أم مكسور أم ساكن، وإن تركيب ذلك يكون كذا؟ وهبك عرفت هذه الكلمة فكيف تعرف صاحبتها بهذه السرعة، وكيف تجمع من الحروف كلمات