[قبر الغريبة]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
قالها على لسان أحدهم يخاطب قبر حبيبته التي ماتت غريبة
قبرَ الغريبة لا باكٍ ولا ناع ... سوى محبٍّ من حزنه داع
قبر الغريبة لا ماء ولا زَهَرُ ... إلاّ دموعي وأشعاري وأسجاعي
والشعر من عنصر الراديوم جوهرُه ... فليس ينفكّ ذا ومضٍ وإشعاع
ماتت وصورتها في العين ماثلة ... أخِلَّتي لم تمت أم لستُ بالواعي
كأنها من شقوق القبر ناظرة ... إليّ نظرةً مُلتاعٍ لملتاع
نزيلةَ القبر قولي: لستُ ميّتةً ... وقد تنبهت أرنو بعد تهجاع
أم ليس ما أنا راء في حقيقته ... سوى خيالٍ لمن أراه خدَاع
فأنت ميّتة أودعتُها بيدي ... قبراً وبالرغم عني كان إبداعي
حزني شديد وأوجاعي مبرّحة ... ماذا يخفف أحزاني وأوجاعي؟
دع الدفينة تحت القاع راقدة ... فالقاع ليس لما فيه بمضياع
تحفّ بالميت أشياع لتدفنه ... أمّا الغريب فلا يحظى بأشياع
ما كان حادث هذا الموت في بلدي ... لغير قلبيَ في صدري بصدّاع
في كل عمريَ قد أحببتُ واحدة ... وهذه ارتاحت في آخر الساع
أَلمعت للركب استبقيه ملتمساً ... فلم يردّ إليَ الركبَ إلماعي
ما الأرض وهي لنا أمُّ بمشفقة ... فطالما أوقعت بي شر إيقاعي
ولم اكن هابطاً منها لأودية ... ولم اكن لثناياها بطلاَّع
ما كنت احسب أن الدهر يفجعني ... بمن أحَبَّ فؤادي شر أفجاع
والدهر مازال منّاعاَ لنائله ... عن بعضهم ولبعضٍ غير منّاع
كانت محاسنها اللائي فُتِنتُ بها ... يملأن قلبي وأبصاري وأسماعي
كنت السعيد بماضٍ كان يجمعنا ... معاً لو أن إليه جاز إرجاعي
في الحب تُسطاع أشياء وان عسرت ... إلاّ السلوّ فهذا غير مسطاع
ما أن ذكرتكِ في سري وفي علني ... إلاّ توثَّب قلبي تحت أضلاعي