أصدر العقاد ديوانه (وحي الأربعين) في سنة ١٩٣٣؛ والسياسة المصرية يومئذ تسير في طريق معوج، وحكومة صدقي باشا تمكن لنفسها بالحديد والنار، و (الوند) ومن ورائه الأمة كلها يجاهد حكم الفرد ويكافح للخلاص، والعقاد يومئذ هو كاتب الوفد الأول، يكتب المقالة السياسية فترن رنيناً ويلقفها آلاف القراء بلهفة وشوق في كل مدينة وكل قرية؛ فلا عجب أن يكون العقاد بذلك عند عامة القراء هو أبلغ من كتب وأشعر من نظم، حتى ليؤول أمره من بعد إلى أن ينحله الدكتور طه حسين بك الوفدىُّ المتحمس، لقب أمير الشعراء، تملقاً للشعب ونزولاً على هواه. . .!
ولقد يكون العقاد يومئذ على حقيقته هو سيدَ الكتاب وأمير الشعراء أو لا يكون؛ ولكن هذه هي كانت منزلة عند الشعب يومئذ؛ فلا يعاديه أحد إلا كان عدو الأمة، ولا يعرض له أحد بالنقد في أي منشأته الأدبية أو السياسية إلا كان في رأى الشعب (دسيسة) وطنية أو صنيعة رجعية. . .
هذه هي كانت الحقيقة في تلك الحقبة من التاريخ التي امتزج فيها الأدب بالسياسة امتزاجاً جعل طائفة كريمة من الأدباء يؤثرون الصمت واعتزال الأدب على أن ينزلوا بأنفسهم إلى معترك لا يعرفون أين تبلغ بهم عواقبه. ولكن الرافعي رجل - كان - لا يعرف السياسة ولا يخضع لمؤثراتها؛ فهو لا يعتبر إلا مذهبه في الأدب وطريقته؛ وسواء عنده أكان رأيه هو رأى الجماعة أم لا يكون، ما دام ماضياً على طريقته ونهجه. ولقد قدمت القول بأن الرافعي كان يتربص بالعقاد منذ قريب لينزل إليه في معركة حاسمة تنقع غلته وتبرئ ذات صدره، فما أن تهيأت له الأسباب بصدور (وحي الأربعين) حتى تحفز للعراك. وكان ما