أما موقف الشعر من هذه الغزوة فلم يستطع شعراء المسلمين أن يصوروا جلالها، وما امتلأت به نفوس المسلمين من غبطة وابتهاج إزاء هذا النصر المؤزر، فما روى لنا من شعر قيل في تلك الغزوة لا يناسب مالها من جلال؛ وإن المرء ليحار في تعليل هذه الظاهرة:
فقد يكون من أسبابها أن الفخر والتباهي والزهو مما كان مألوفا عند العرب، قد حد الدين الجديد منه، فلم يستطع الشعراء أن ينطلقوا على سجيتهم الأولى في حرية غير محدودة.
وقد يكون من أسبابها عقيدتهم بأن هذا النصر إنما أمدهم به الله، فلم يكن من نوع هذه الانتصارات التي كانوا يحرزونها في الجاهلية، يعتقدون أن شجاعتهم هي التي أحرزتها.
وقد يكون من أسباب ذلك النصر المؤزر ربما كان وراءه في قرارة نفوسهم ألم عميق على ما أصاب بعض لأقاربهم في هذه المعركة من القتل أو الأسر، فإنه مهما تغلغلت العقيدة في النفس لا يسلم المرء من تذكر هذه الصلة الطبيعية، ورحم الله البحتري إذ يقول:
وإذا احترت يوما ففاضت دمائها ... تذكرت القرى ففاضت دموعها
شعر المسلمين في هذه المعركة ليس بقوى في جملته، وقد انتحى فيه الشعراء مناحي شتى: فحيناً يتجهون على العقيدة المشركين، يعيرنهم بها، كما قال حسان بن ثابت:
جمحت بنو جمح بشقوة جدهم ... أن الذليل موكل بذليل
جحدوا الكتاب وكذبوا بمحمد ... والله يظهر دين كل رسول
وتأثر بعض الشعراء بالقرآن الذي نزل في تلك الغزوة، فتحدث عن الشيطان الذي غر المشركين وأغرهم، حتى إذا وجد الدائرة قد دارت عليهم، تاركا جنده للهزيمة والأسر، وتحدث عن الملائكة الذين أمد الله بهم جند المسلمين، قال حمزة:
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... وخلوا لواء غير محتضر النصر