[تأبين الكاظمي]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
صدق النعيُّ ومات عبد المحسن ... يا شعر أَبّنه ويا نفس احزني
يا شعر أنت ومحسنٌ قد كنتما ... عمراً رفيقيْ غربةٍ وتوطّن
قد عشتما في كل منزلة معا ... كالفرقدين اللامعين وأحسن
أو زهرتين ولا أراني داريا ... أشغفتُ بالنسرِين أم بالسوسن
حتى احتوته يدُ المنايا بغتة ... بمخالبٍ معقوفةٍ كالمحجن
لمن الزعامة في القريض ومن لها ... بعد الحفيّ الشاعر المتفنّن
ملأت قصائدُه القلوبَ حماسةً ... من بعد ما شغلت جميع الألسن
شعرٌ يكاد يسيل منه لفظٌه ... مثل الندى من رقةٍ فيهزّني
شعرٌ إليه بفعل مغناطيسه ... في السمع تنجذب القلوب وتنحني
العبقريةُ فيه مُعتَرَفٌ بها ... من ذا يسئ ظنونه في المحسن؟
شيخ القريض قضى فكان عليه لي=حزنٌ بعيدٌ غورُه قد مضّي
في كل قطر أبّنته عصبةٌ ... ما كلٌ من لاقى الردى بمؤبّن
بكت العروبة في الجزيرة محسناً ... ما موتٌ شاعرها الكبير بهيّن
فقدت فأوجع قلبَها فقدانٌها ... منه فتىً شهماً كريم المعدن
مات الذي كانت به معتزَّةً ... يا رب إن الخطب جلّ فهوّن
قد كان في كل المواقف واثقاً ... بالنفس شأن الشاعر المتمكن
دفنوه في ملحودة وخياُله ... في أعيني فكأنه لم يُدفن
ما كان للآداب إلاَ روضةً ... ما شَئت من زٍهر حوته تَجتَني
مَن للغريب قضى وكان مولّيا ... للطرف عند الموت شطرّ الموطن
قدودّ لو أن المنيّة أمهلت ... وإليه عبدَ به قريرَ الأعين
لكنها قد أعجلته بضربةٍ ... من كفّها في وثبةٍ من مكمن
الشعرُ أسمع شاجياً خفقانَه ... فكأنهّ أنات قلبٍ مٌثْخَن
يا شعر أنت من الفجيعة مؤلَمٌ ... وأرى الأسى بجبينك المتغضّن