لما كتبت القسم الأول من هذه الصورة أسرع إليّ صديق من ذوي الجاه والشأن في وزارة الأوقاف، وحدثني حديثاً فيه الشفقة والعطف، وفيه الرجولة والإنسانية، وطلب إلي مشكوراً أن يعين صاحب هذه الصورة على بلواه بطريقة لا يحس الرجل فيها غضاضة الحاجة ولا ذل السؤال.
آه، ما أسمي رجولتك يا من تهزك الأريحية الجياشة فتمد يدك الرايقة لتمسح على أتراح رجل ضعضعته نكبات الزمن، ولتخفف من آلام إنسان فجعته الأيام في خفضه وسعادته! إنك ولا ريب روح السماء ونسيم الجنة، فدعني أشكر عطفك ورقتك بالسان صديقي الذي دهمته القارعة فاجتاحت قوته وحيلته ورزقه.
(كامل)
ندَّ عني صوابي يوم أن رأيتك - يا صاحبي - أول مرة، تطحنك مرارة الفجيعة في نور عينيك، وطار عني الحجا يوم أن لمست الأسى يتغلغل في أغوار قلبك فيحترم شبابك ونشاطك من أثر الصدمة القاسية، وماتت كلمات العزاء على شفتيَّ يوم أن شهدت الصبية يرفون حواليك كالأقمار رونقاً وبهاءً وينادونك:(انظر. . . انظر يا أبي)، وهم يتوثبون بهجة وسروراً لأنهم لا يحسون ما أصابك من لوعة وضيق.
وصرفتني عنك شواغل الحياة حيناً، فحز في نفسي أن لا أجد السبيل إليك وأنت تعاني حر المصيبة ووهج البلوى. على حين أني لم أنس أبداً أنك كنت لي ميعة الصبا رفيق الروح في وحدة الحياة، وأنيس القلب في وحشة العمر، ونور النفس في ظلام العيش. وأمضَّ قلبي أن أرى حالك تحول فتغيض بشاشتك وتذوي سعادتك وتجدب حياتك ويتداعى ركنك، ولكن روحي كانت دائماً تهفو إليك فتفيض لك نفسي بالهوى والود، ويطفح قلبي بالشفقة والحنان، فأنا ما زلت أذكر حديثك يوم أن قلت لي: (الآن بعد أن نزلت بي هذه الداهية الهوجاء