مقهى ضئيل المنظر، تافه الموقع، يطل على ميدان ضيق محدود، يعج بالسابلة، ويضج بالحركة، وترتفع فيه أصوات الترام والسيارات منحدرة من القلعة وصاعدة إليها، فلا رواء فيه ولا بهاء ولا شيء مما يبعث الشعر ويهز الفكر ويحبب إلى الأدب، ويغمر النفس بشعور الرضا والأطمئنان؛ ولكنه على الرغم من هذا كله فهوى الشعراء والأدباء، ومراد الأفكار والآراء، وله في ذلك عمر طويل وتاريخ حافل
ترى ما الذي حبب هذا المكان إلى إخواننا الأدباء وهم طلاب الهدوء والسكون، وعشاق المناظر الشعرية اللطيفة؟! أهي تلك الدرجات الأربع التي يصعدها الداخل إليه فتشعره بالرفعة والصعود والعظمة! وحب العظمة! وحب العظمة شيء في نفوس الأدباء؛ أم هي تلك الديمقراطية الصريحة التي يتميز بها ذلك المكان، إذ يجلس القوم في غير كلف، والتملص من الكلفة شيء محبوب لدى الشعراء؛ أم هي قلة النفقة، والأدباء لاشك قروشهم معدودة، وجيوبهم مكدودة، فهم يرتاحون إلى قلة المصاريف وعدم التكاليف؟!
أنا والله لا أدري السبب في ذلك. ولقد سألت إخواننا الأدباء أنفسهم فما وجدت عندهم شيئاً من علم ذلك السر، بل لقد ذكر ليَ الشاعر (الأسمر) أن أدباء الحلمية تمردوا منذ سنوات على ناديهم، وحالوا أن يكون مجلسهم في مقهى فخم بميدان الأوبرا حتى يليق بمكانتهم، ولكنهم فشلوا في تمردهم، وعادوا إلى مكانهم صاغرين! حيث مازالوا يصعدون الدرجات الأربع! وقد يكون للمسألة تعليل من التاريخ، فلنرجع إلى التاريخ
إن نادي الحلمية يتصل بحي الحلمية، وحي الحلمية حي يتميز بطابع خاص، وينفرد بتاريخ حافل، وهو أول حي أسس في مصر على طراز منظم، وقد كان موطن الأسر العريقة والسلالات التركية التي تحكم البلد، وتملك ثروته؛ وقد كان لهذا الحي ناد يشرف على شارع محمد علي في مواجهة جامع قوصون، وكان يختلف إليه كثير من الكبراء