رجحنا أن أبا العلاء شرع ينظم اللزوميات بعد رجوعه من بغداد كما قلت آنفاً. وقد عرفنا أنه ذكر سن الأربعين والخمسين كثيراً ولم يذكر الستين قط على برمه بالحياة وتعجُّله بالموت - ولو بلغها وهو ينظم اللزوميات لأكثر ذكرها - فساغ أن نقول إن الرجل نظم اللزوميات من سن الأربعين إلى أن نيّف على الخمسين. وأما السبعون فأغلب الظن أنه لم يعن بها نفسه.
وإن قدرنا أنه المعنى بها فقطعة أو قطع قليلة نظمت بعدُ وألحقت بهذه المجموعة التي نُظِمت كلها أو جلها في السن التي قدرتُ.
ويؤيد هذا أن الحوادث التي ذكرها وقعت كما بينت في أوائل القرن الخامس ولم تتأخر عن سنة ٤٢٠، وكذلك الرجال الذين ذكرهم أحياء كصالح بن مرداس ومحمود بن سبكتكين ماتوا قريباً من هذا التاريخ. وقد رثى الوزير المغربي توفي سنة ٤١٨. وأشار إلى وفاة الحاكم بأمر الله وقد توفي سنة ٤١١. فكل حادثة مؤرخة نجدها في اللزوميات تقع في العشرين الأولى من القرن الخامس. وكل رجل ذكره الشاعر ذكر الأحياء هلك حول هذا التاريخ: صالح مات سنة ٤٢٠، ومحمود مات سنة ٤٢١.
وأما مسعود بن محمود الذي تولى سنة ٤٢١ فقد ذكره مرة مع أبيه ولم يعد إلى ذكره. فهو لم ينظم في أيام مسعود بعد هلاك محمود، أو لم ينظم إلا نادراً.
وأعزّز بأمر يستأنس به مضموما إلى الأدلة السابقة، أن أبا العلاء ذكر في مواضع من الكتاب أنه لم يشِب، وزعم أنه كان جديراً بأن يشيب، وأنه لا يسره بقاء شعره أسود. يقول: