لا أستطيع أن أتحدث عن تركيا دون أن أشير إلى أهمية مؤتمر برلين وأثره في تاريخ تركيا وفي السياسية الدولية العالمية فإن هذا المؤتمر يعتبر مفترق الطرق في السياسة الأوربية الحديثة بل وفي السياسة العالمية.
وقبل أن أتحدث عن هذا المؤتمر يحسن بي أن اصف الظروف الدولية التي أدت إلى انعقاده.
في ١٨٧٥ قامت الثورة ضد الحكم التركي ومظالمه في ولايتي البوسنة والهرسك، وسرعان ما اشتعلت نيران الثورة في جميع أنحاء البلقان في بلغاريا وفي الصرب وفي الجبل الأسود وفي رومانيا، وقام القتال بين الأتراك وبين شعوب البلقان.
وإذا عطست شعوب البلقان اضطربت أوربا فإن شبه الجزيرة هذه تعتبر مخزون البارود في أوربا، ولذا سرعان ما تدخلت الدول: تقدم الكونت اندراس وزير النمسا باقتراحات لإنهاء الثورة قبلها السلطان ورفضها الثوار، وعقدت الدول مؤتمر القسطنطينية ١٨٧٧ لحل المشكلة، ولكن السلطان فاجأ الدول فأعلن الدستور وبمقتضاه اصبح أمر الحاكم متروكا للشعوب، وأعلن أن الدول بمقتضى معاهدة باريس ١٨٥٦ لا يحق لها أن تتدخل في شؤون تركيا الداخلية، وانقض المؤتمر ولكن الثورة زادت اشتعالاً.
وأخيراً جاءت روسيا لمساعدة شعوب البلقان ولتحقيق مآربها، فأعلنت الحرب على تركيا ١٨٧٧ وتقدمت جيوشها حتى وقفت على أبواب القسطنطينية في يناير ١٨٨٧، وحينئذ طلب السلطان الصلح وأمرت إنجلترا أسطولها في الوقت نفسه بالتقدم إلى مياه القسطنطينية وبضرب الروس إذا حدثتهم أنفسهم بدخول القسطنطينية.
وأمام الهزيمة اضطر السلطان أن يقبل ما عرضته عليه روسيا وأن يوقع معاهدة سان ستفانو في مارس ١٨٧٨ وبمقتضى هذه المعاهدة تقرر أن تستقل رومانيا الصرب والجبل الأسود استقلالا تاما وأن تمنح البوسنة والهرسك استقلالاً إدارياً وأن تأخذ روسيا باطوم وقارص وإرزن وأن تنشأ بلغاريا العظمى التي كانت حدودها تمتد من البحر الأسود إلى