[بائعة (الكازوزة) الحسناء]
للأستاذ علي الجندي
تتردد على جسر الخديو إسماعيل وما جاوره من شواطئ النيل، فتاة في زي القرويات سمعت من يدعوها (هند) يجلس بجوارها في أغلب الأحيان رجل أحسبه يمت إليه بصلة القرابة، ولعل مهمته الأولى أن يحرسها من ذئاب البشر الضارية
هذه الفتاة على حظ عظيم من جمال الفطرة البريء من الصنعة. وقد اعتادت إذا مر بها المتنزهون في ذهابهم وجيئهم أن تعرض عليهم بضاعتها في بشاشة ورقة وأدب
وحدث أنني كنت أرتاد هذه البقعة متفرجاً في بعض الليالي المقمرة، فمررت بها مصادفة - مصادفة يا وزارة المعارف - فابتسمت لي وقالت بصوت يقطر ليناً: تعال يا أمر (قمر) اشرب كازوزة. وقد منعني ما اصطنعه من وقار المربين من تناول شرابها المشعشع بالثلج، ولكنني استطعت أن أرد على التحية بأحسن منها!
وحاولت جاهداً أن أتخلص من تأثير كلمتها (يا أمر) فلم استطع! فقد خالطت مني اللحم والدم، وفعلت بي فعل السحر! كنت أظن - وبعض الظن إثم - أنني جاوزت مرحلة الشباب، فأعادت لي هذه الكلمة الثقة بنفسي وقلبي! وتركتني ألتفت إلى الماضي أستحضر صوره المحببة! ناثراً الدمع في دمن الأنس العافية، وأطلاله الدوارس!
ومخضوبةِ الأطراف، مُخْطَفة الحَشَا ... على الشَّطِّ تخطو في دلال وفي خَفَرْ
يميس بها سُكْرُ الشباب فتنثِني ... كغصنٍ زَهتْه الريحُ أو شادنٍ خَطَر
تكاد السباع المقعِيات حيالَه ... تخفُّ إليه - صابيات - مع البشر
جَلاها الجمال النضر في ثوب فاقةٍ ... وما حاجة الغيد الغواني إلى الحِبر؟
وهل عابها أن تَعْدَم الوَشْىَ والِحلَى ... وقد أطلعتْ من وجهها بُلجَةَ السَّحر؟
إذا هتفتْ بالظامئين تَهافتو ... عليها كنحل هاجها مونق الزهر
وما بهِمُو بردُ الشَّراب، وإنما ... نُفوسٌ تَوَافتْ من رَدَاهِا على قَدَر
إذا هي هَشَّتْ للوُرود، فإنها ... - وإن نِعمتْ بالرِّي - لا تحمَدُ الصَّدَر
عفا الله عنهم! إن شَفَوْا غُلَّةَ الصَّدى ... فَمَن لجوىً بين الجوانح يَسْتَعِر؟
تَرى الشَّرب حول الوِردَ شَتَّى، فلاحظٌ ... حُشاشته وجداً، وآخرُ ينتظر