ومنْ صادرٍ عنه بمهجة والهٍ ... تكاد من الشوق المبرِّح تنفطر
مَرَرتُ بها - كالطيف - أسترق الخُطا ... أحاذِرُ أنْ أصبو، وهل ينفع الحذَر؟
فما راع سمعي غيرُ صوت مُنغَّمٍ ... يُخالُ - لفّرْطِ اللينِ - ترنيمةَ الوتَر
تقول - وبدرُ التَّم في الأفق سافرٌ ... يُفضِّض تِبْر النيل -: أيكما القمر؟
هَلُمَّ إلى راح طهُورٍ تُدِيرها ... عليك رَدَاحٌ زان أجفانَها الحَوَر
ستشربها صِرفاً، وإن شئتَ مزجها ... فدونك صْفوَ الشهد من ثغريَ العَطر
تألَّفتِ اللذاتُ: ماءٌ وخُضرةٌ ... ووجهٌ كصبحٍ تحت جُنحٍ من الشَّعر
وهذا النسيم الرَّطْبُ ينفَح بالشَّذا ... فيفعَل بالألباب ما يفعَل السَّكَر
فخُذْ بنصيب من هناء معجَّل ... فإن الليالي غيرُ مأمونة الغِيَر
فقلتُ لها: خلِّي التَّصابي لأهله ... فما للمُرَبَّي في جَني الحسن من وطر
إليكِ، فلي (بالضاد) شُغلٌ عن الصبا ... وفي الدين عن وصل الكواعب مُزدجرْ
دعيني، فما لي والهوى - قُتلَ الهوى -! ... ألم يكفِ ما حُمِّلتُ في زمن غَبَر؟
أُرِقتُ ونام الناس مِلَء جفونهم ... أبكي لظبي صَدَّ، أو جُؤذَرٍ نفَر
فمن ذاق منه الأعذَبين فإنني ... لقيتُ به التبريح والهم والسهر
فلا تنكئي قرحاً بقلب دملته ... على لوعة حرى، ووجد قد استدر
ألم تُبصري فودي تنفس صبحه ... وكان حبيباً - للدُّمى - ليله العكر
وما ذاك من مَرِّ السنين، وإنما ... لبستُ بياض الشيب في مَيْعة العُمُر
جناه على رأسي زمانٌ مُذمَّمٌ ... يشوب لنا صفو اللذائذ بالكدر
ربيع ولا خصب، وظل ولا ندىً ... وماء ولا ريّ، وروض ولا ثمر
شقائيَ أني بين قوميَ دُرّةً ... وقد خلقوا تعشى عيونهم الدرر
ولو أنهم هانوا عليَّ، وسَمْتُهمْ ... على الأنف، لكنْ مَن له شيمتي غفَر
أُشيد لهم مجداً ويأبَى سِفاههم ... سوى هدمه! هل يستوي النفع والضرر؟
تَواصَوْا على أكلي - وفي لحميَ الردى - ... وما في النًّهى أن تُؤكلَ الحيّة الذكر
تولّى زمان اللهو (يا هند) فاعذري ... وأقصرَ عما كان غَيّه (عُمَرْ)
كفتنا - على برْح الجوى - منك نظرة ... وفي دين أهل الشعر لا يَحْرُم النّظر