نريد بالشعر المطعم ذلك الشعر المعرب الذي اختلطت فيه العامية بالعربية، ونهض مع ذلك شعراً سوياً، يصور الحياة في كل ناحية، فتجده في السياسة، كما تجده في الأخلاق، وتجده في الغزل، كما تجده في الحكم، وهو أبداً خفيف الروح، حلو، حلو عذب، يطربك بهذا الأسلوب اللذيذ، الذي تجتمع فيه المفارقات الحلوة. فبينما تأخذ سمعتك الكلمة العربية الجزلة، تفجؤك بعدها الكلمة العامية المأنوسة، فتجد لها ما تجد للنكتة الحارة من وقع، إذ كانت الكلمة العامية بالغة سمعتك وهو متهيئ للكلمة العربية، فتجد النفس من ذلك ما تجد لرؤية الطويل المفرط مع القصير الدحداح، أو كما تجد لرؤية المرأة متربعة في كرسي القاضي الشرعي، من حيث الفجاءة وعدم التوقع.
وتمام الحلاوة في أنك لا تجد بين العربي والعامي في البيت الواحد خللا أو اضطراباً، ذلك بأن الكلمة العامية تجيء مصقولة صقلاً عربياً، معربة إعراباً صحيحاً، كأنما تحدرت إليك من أعرابي سليقي.
وميزة الشعر المطعم عن الشعر العام أنه عصري متواضع. يمس الاجتماع الراقي كما يمس الاجتماع الشعبي، وبذلك يصور لنا ناحية يترفع عنها الشعر العام - ونحن نجني في كثير من الأحيان على التاريخ، عندما نعتمد على الشعر العام في تصوير حياة المجتمع، لأنه في برج عال رفيع لا ينحط إلى المستوى الشعبي. فكما كانت الأمثال في القديم أصدق تصويراً للاجتماع العربي من الشعر، كذلك الشعر المطعم اليوم أصدق تصويراً للاجتماع الحاضر من الشعر العام. ولذا يكون من الخطر إهدار هذا النوع من الشعر المطعم لأنه أمس بالحياة العامة. فهو يصور المجتمع وينقده نقدا لاذعاً في خفة وفكاهة.
فنحن - مثلا - تجد الفضول والتطفل داء قديماً، ولكن الشعر العام إذا تناوله لم يبلغ فيه من الصدق وتصوير الواقع ما يبلغ الشعر المطعم فهذا شاعر يقول في وصف ثقيل: -
بارد لو يخش في النار تلقى الناس في النار كلها بردانه
كلما شاف صاحبين يقولا ... ن كلاماً غري يمد ودانه
ويطيل الحديث آه يانا يا غلبي ويا وعدي من لته آه يانه