للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفقر مسألة اجتماعية]

للأستاذ رمسيس يونان

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

وهذا مثل ثان من تناقض المصالح بين الطبقة الغنية المعتمدة على الزراعة، والطبقة الغنية المتصلة بالصناعة. فطبقة ملاك الأرض تزداد ثروتها كلما رخصت الأيدي العاملة في الزراعة، وهم الأغلبية الساحقة من الشعب المصري؛ أما رجال الصناعة فإن دخلهم يزداد كلما زادت قدرة هذه الأغلبية على الاستهلاك، أي كلما ارتفع مستوى معيشتها

وعلى ذلك ليس عجيباً أن نرى أن معظم السياسيين المصريين الداعين إلى الإصلاح الاجتماعي؛ أمثال: حافظ عفيفي، علي الشمسي، وهيب دوس، هم ممن اتصلت حياتهم عن قرب أو عن بعد بالصناعة، أو ممن تأثروا تأثراً كبيراً بالحياة الاجتماعية في الغرب التي هي نتيجة وسط صناعي. وليس عجيبا أيضاً أن نرى رجلاً مثل إسماعيل صدقي ينادي بمكافحة الفقر ورفع مستوى حياة الفلاح. . .

وهناك عوامل ثانوية أخرى تدفع الممولين إلى التفكير في الإصلاح: منها أن الأبحاث الطبية تثبت إثباتاً قاطعاً أن الأمراض تنهك العامل والفلاح وتضعف قدرتهما على الإنتاج إلى حد مخيف. وعلى ذلك فبين الممولين من يرى أن مكافحة هذه الأمراض قد يؤدي إلى زيادة في الربح تعادل على الأقل ما يحتاجون إلى بذله في سبيل هذه المكافحة. . .

ومن هذه العوامل أيضاً الرغبة النامية في إنشاء جيش قوى سليم يشعر أرباب الثروة المصرية بضرورته للاحتفاظ باستقلال سياسي يضمن لهم استقلالهم الاقتصادي

على أن رجال الصناعة في مصر والمتكلمين باسمهم لا يدعون إلى الإصلاح الاجتماعي إلا في حدود ضيقة. . . ذلك لأن الدعوة إلى تحسين حال الفلاح تؤدي حتماً إلى تحميس الحركة العمالية المطالبة برفع الأجور. وليس هذا مما يرتاح إليه الممولون وأرباب الأعمال. . .

ومع أن معظم العمال المصريين قد جاءوا من الريف، وبرغم من حداثة عهدهم بالوسط الصناعي، فلا شك في أنهم قد اكتسبوا أساليب في التفكير المعاشي تختلف عن أساليب إخوانهم الفلاحين. ولسنا الآن بصدد بحث العوامل المادية التي سببت هذا لاختلاف، وإنما

<<  <  ج:
ص:  >  >>