للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما من مسرحية له أو قصة أو أقصوصة أو رواية أو شعر إلا كانت المرأة فيه العنصر السامي الذي يخفف الحدة، ويلطف الشدة، ويمزج بالشر الذي يندس بين الناس ليفنيهم إكسيرا مضاداً له يكافحه ويقف آثار فعله لتنحصر في زاوية ضيقة بدل أن يمتد ويفور

المرأة في نظر طاغور مخلوق جعل لتزين الحياة، يخفف آلامها، ويكثر من مسراتها، ويطبعها بطابع البهجة الذي يحلو للرجل النظر إليه؛ ذلك ما دامت امرأة، فأما اعتلت أريكة الأمومة فهنالك الكمال في السمو إلى حقيقة الحقائق حقيقة المحبة التي يفيض بها قلبها أو فكرها على الناس أجمعين

ولا يستغرب القارئ هذا القول لأن دعمه بالبرهان سهل، فالرجوع إلى كتابه الذي أتممنا نقله إلى العربية ونشرناه كاملاً في أجزاء مجلة وزارة المعارف العراقية (المعلم الجديد)، ذلك الكتاب الذي أسماه الهلال يؤيد هذه الدعوة ويصور الأم للقارئ بشراً سوياً لا تبلغ المحبة في قلب في الكون مبلغها عند أحد سواه

أما بعد، فهذه كلمة موجزة عن طاغور نرجو أن تعقبها لنا عنه دراسات مستفيضة تعرفه إلى الشباب، لأن طاغور من الشخصيات الفذة التي يتعب المؤرخ الاهتداء إلى أمثالها في الدنيا. وتفكير طاغور العميق الهادئ، وتصوفه الروحي البعيد عن المظاهر، ونظرات تأمله التي شملت كل ما في الكون من أسرار وجمال جعلت منه دائرة معارف شرقية حديثة، ولكنها تمت إلى القديم بأوثق الأسباب. وهل كان لعمري ثمة شيء لا يحسنه طاغور؟ ومن أجل هذه السعة في المعرفة يوصي الذين شغفوا بطاغور حباً بدرسه دراسة تأمل وإنعام نظر وفهم دقيق، لأن في دائرة المعارف الشرقية هذه غذاء روحياً لذيذاً، ولكنه دسم لا يفهمه كل إنسان

إن طاغور لم يمت، لأن حكمته الرفيعة وفلسفته وتصوفه وأدبه الذي يحيط من وراء ذلك كله خالد تخجل يد الفناء أن تمتد إليه بعبث أو تخريب. ولن تعرف الإنسانية قدر طاغور اليوم، وإنما ستعرفه الإنسانية بعد مئات طويلة من السنين حين تخرج من سن الطيش إلى طور العقل والحصافة والتفكير الهادئ العميق.

فخري شهاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>