للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جداً إحدى النائبات الإنكليزيات إذ اتهمته - خلافاً لعقائده - بالدعوة السلبية التي لم تؤثر عنه منذ خلق حتى انتقل إلى عالم الخلود. وإذا شئت مثلاً آخر فاذكر أيضاً خطابه الذي وجهه إلى إخوانه الهنود المقيمين في اليابان إذ أرسلوا يسألونه أن يؤيد اليابان بكلمة من عنده في حرب استيلائها على الصين الحرة لكي يكفكف من عدوان اليابانيين على النزلاء الهنود فكان جوابه متضمناً هذا المعنى: (لخير لي أن أرى الهنود من أبناء جلدتي يروحون ضحية للجهاد من أن أنتصر باسم الهند للجور والطغيان)

وإليك مثلاً آخر من وطنيته حين نبذ أوسمة الشرف وألقابه التي قدمتها إليه الحكومة البريطانية وذلك حين أستشعر منها الإجحاف والظلم في معاملة الهنود، وأبى أن يحمل من بعد ذلك اليوم لقب (سير) ولم يجدد وضعه على طبعات مؤلفاته الجديدة ونفر منه نفرة كانت تغضبه وتؤلمه إذا دعي بها

عالج طاغور فيما عالج من مشكلات الهند مشكلتين عظيمتين: أولاهما مشكلة (المنبوذين) التي أقدم على علاجها علاجاً عملياً غير مكتف بما كتب عنها، وكسر جميع أغلال أسرته البرهمية العريقة، وذلك لأنه كان في أعماله أشبه بالمفكر الخالد الحكيم سقراط ينحو نحو تطبيق الفضيلة على نفسه بعد معرفتها ثم يدعو الناس بعد تلك المعرفة وذلك التطبيق إلى أخذ أنفسهم بها والعمل بمقتضاها. وقد أقام طاغور للمنبوذين من ماله الخاص المدارس وأنشأ لهم منشآت الثقافة التي كان أعظمها وأجلها أثراً مدرسته النموذجية التي مر ذكرها آنفاً والتي أصبحت جامعة مثالية يأمها أساتذة الجامعات ليتخرجوا فيها على طاغور تلاميذ مشربين بروح محبته للخير والسلام. وإنه ليروي أنه أنفق الجائزة المالية التي قدمها له مجمع (استكهلم) سنة ١٩١٣ في سبيل هؤلاء المنبوذين بعد أن أنفق في ذلك كل ما آل إليه من ثروة موروثة ومال مكتسب

أما الناحية الأخرى التي عالجها من مشكلات الهند فكانت مشكلة المرأة الهندية التي كانت عندما فتح طاغور عينيه للدنيا ليراها في مستوى المنبوذين هؤلاء أو أرفع قليلاً. ومن أجل تلك المخلوقة المهيض جناحها التي ظلمها تعسف الرجل مئات السنين في الهند وقف قسطاً من جهاده، وأكرمها في شخص زوجته وأبنته، وجعلها ملاكاً كريماً يرفرف بجناحيه على البيت ليكون فيه ظل المحبة الشاملة والسلام الذي ينتظم البيوت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>