للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القَصصُ

المترونوم

للكاتب الأمريكي اوغست درلث

بقلم الأستاذ محمد فتحي عبد الوهاب

عندما استلقت على الفراش، ولفها الظلام الخفي اللطيف بردائه، نضت شفتاها عن ابتسامة جمعت فيها كل ما تشعر به من الراحة بانتهاء الجنازة أخيراً دون أن يشك أحد في أنها والصبي لم يسقطا عرضاً في النهر، أو يخطر على بال أحد أنها كانت تستطيع أن تنقذ ابن زوجها لو أرادت. وهاهي ذي لا تزال تسمع كلماتهم (أوه، مسكينة السيدة فارل، ما أفظع ما تشعريه) تسمعها ترن خافته وعلى بعد سحيق، في ظلام الليل المدلهم.

إن ما شعرت به من تقريع الضمير عندما غاص الطفل في أليم واختفى تحت سطح الماء للمرة الأخيرة، وعندما رقدت على الشاطئ منهوكة القوى، قد تلاشى منذ زمن طويل. ولم تعد تفكر كيف ارتكبت ما ارتكبته - بل لقد أقنعت نفسها بأن ضفة النهر قد انهارت قضاء وقدراً، وتناست التربة المتداعية، والماء العميق، والتيار الجارف.

وتحرك زوجها في الحجرة المجاورة. أنه لم يشتبه في شيء لقد قال لها وقد لاحت على وجهه سمات الحزن (لم يبق لي الآن سواك) وما أصعب تلك الأيام القلائل الأولى التي مرت عليها. بيد أن اختفاء جيم نهائياً في غياهب القبر قد قلل الشكوك الطفيفة التي انتابتها.

ومع ذلك، كان من الصعب عليها تصور ما اقترفته. لابد أن منشأه نزوة طارئة. بيد أن نفورها من الصبي وحقدها عليه بسبب الشبه الذي بينه وبين والدته هو الذي دفعها إلى ذلك دفعا، وذلك المترونوم! الطفل له من العمر ثماني سنوات أن ينسى مثل هذه الأشياء الصبيانية. لو كان يعزف على البيانو لاختلاف الأمر. ولكنه وهو على هذه الحال، كلا، كلا - كان ذلك كثيراً عليها. أن أعصابها لم تعد تحتمله يوماً آخر. ثم عندما أخفت المترونوم. أثار غضبها بإنشاده تلك الأغنية الصغيرة السخيفة التي سمع والتردامروش يغنيها عند شرحه سيمفونية المترونوم لبتهوفن، في صباح أحد أيام الجمع ببرنامج الأطفال

<<  <  ج:
ص:  >  >>