للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إيمان قلب]

للأستاذ كامل محمود حبيب

(لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٌ منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم نفسهم وظنواأن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا أن الله هو التواب الرحيم). (قرآن كريم)

اندفع الجيش اللجب يوفض إلى غايته - إلى بلاد الروم - يطوي فجاج البيداء في صبر، ويقتحم فيافي الصحراء في جلد؛ يغذ السير لا يهاب الموت ولا يخشى الردى. ومن أمامه: الشقة بعيدة، والمسلك وعر، والعدو ذو قوة وذو عدد. ومن بين يديه: القيظ تتوقد سمائمه فتدمغ الجلد، والسوافي تهب عاصفة فتسفع الوجه وتقذى العين، والضيق يطحن الصبر ويعبث بالقوة، ومن خلفه، في المدينة ظلال وارفة يهفو إليها القلب وتصبو إليها النفس. ثم طال بالناس السفر وامتد الطريق، فاجتمعت عليهم فنون ثلاثة من العسرة: عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة الماء، فاشتدت بالمسلمين الحال وغشيتهم المحنة: فكان النفر يأخذون التمرة الواحدة يلوكها الواحد منهم حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه ليشرب عليها جرعة من ماء حتى تأتي على آخرهم فلا يبقى على التمرة إلا النواة، وكان القيظ اللافح يصيبهم فيحسون لذع الحِرَّة في حلوقهم فيخيل إليهم أن الرقاب توشك أن تنقطع من شدة العطش، فلا يجد الواحد منهم مفزعاً إلا أن ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. ولكن الإيمان كان يفعم القلوب فيدفعها إلى ميدان الجهاد في حماسة لا تعرف الخور، وفي جرأة لا ينسرب إليها الضعف، وفي بسالة لا تؤمن بالتردد. واندفع الجيش يوفض إلى غايته.

وانطوت الأيام والجيش في سبيله، يجالد الشدة بالأيمان، ويصارع الغير بالعقيدة، ويكافح الخطب بالصبر؛ وهو لا يحس أن أناساً بهم صَعر إلى الثمار والظلال قد أبطأت بهم النية عن الجيش فتخلفوا عن الجهاد في غير شك ولا ارتياب، وهم نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم ولا يغمزون في إيمانهم. . . نفر صدق من بينهم كعب بن مالك بن أبى كعب أخو بني سلمة، وهو فتى أيّد جلد، فارع القوام وثيق الأركان، تتألق على جبينه سمات القوة

<<  <  ج:
ص:  >  >>