للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفتوة، ويتوثب من إهابه النشاط والشباب، لم يقعد به عن الجهاد نفاق ولا صرفته شهوة الدعة، ولكنه رأى أصحاب النبي (ص) يتهيئون للغزو فطفق يغدو لكي يتجهز معهم فيرجع - آخر النهار - ولم يقض شيئاً، وإنه على ذلك لقادر. ولم يزل يتمادى به الأمل حتى شمَّر الناس بالجد. . .

وأفاق كعب من غفوة الأمل فإذا الناس قد أسرعوا وتفرَّط الغزو، وهو في مكانه لم يقدر له أن يهم فيرتجل فيدرك الركب. لشد ما أحزنه أن يضرب في أرجاء المدينة فلا يرى له أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، مطعوناً عليه في الدين؛ أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء!

وعاش الرجل زماناً غريباً في داره، يضل في غاشية من خواطره السود، ويضطرب في لجة من الندم، لا يجد الراحة ولا الأمان ولا يلمس الهدوء ولا الاستقرار. وهو يعجب - أشد العجب - كيف وسوس له الشيطان فتردى في هاوية مالها من قرار، وإنه لذو قوة وإيمان لا تعوزه الراحلة ولا يفتقر إلى الزاد، وإنه لمن أصحاب بيعة العقبة الكبرى، سبق إلى الإسلام عن عقيدة ثابتة وجاهد الكفار عن إيمان عميق.

وتناهى إلى الرجل خبر عودة النبي (ص) قافلاً من غزوة تبوك فتعاورته الأوهام وساورته الهموم واغتمر في لجة من الحيرة والارتباك، وخشي الرجل أن يلقى النبي (ص) وقد جللته الزلة ودنسته الخطيئة وأشفق على نفسه أن يبدوا أمام المسلمين وهو يتعثر في ذنبه فيعجزه أن يتلمس العذر أو أن يجيد الدفاع، فحضره بثه وطفق يقلب الرأي يريد أن يزور كلاماً يجد فيه الخلاص أو ينمق حديثاً يدرأ به غضب الرسول (ص). غير أنه أيقن - بعد لأي - أنه لن ينجو إلا بحديث فيه الصدق والإخلاص والصراحة جميعاً.

وصبح رسول الله (ص) قادماً فأسرع إليه المتخلفون يعتذرون بالكذب ويحلفون بالباطل، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم النبي (ص) علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله.

وأقبل كعب بن مالك فسلم فتبسم النبي (ص) تبسم المغضب ثم قال (تعال) فجاء الرجل يمشي على مهل والحياء يوشك أن يبعثر نفسه والخجل يكاد يبدد فؤاده. . . جاء يمشي حتى جلس بين يديه فقال له (ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟) فقال كعب (يا رسول

<<  <  ج:
ص:  >  >>