تلوت المقالة المنشورة بعنوان (حول قصيدة) للدكتور طه حسين فأعجبت به إعجابي بكل ما تسطره براعة أستاذنا المفكر، فثارت رغبة نفسي في الاطلاع على هذه القصيدة المحاطة بالأسرار والتي اختلف النقاد والأدباء في تفهمها. فرجعت إلى كتبي التي اعتدت أن أتزود بها في سفري، فلم اعثر على القصيد جميعها ولكنني وقعت على قسم منها لعله يكون (خيرها) لأنه أدنى إلى الإفهام ولعله (أسوأها) إن كانت روعة هذه القصيدة تتجلى في ألغازها وطلاسمها، ولكنني حتى في هذا القسم الواضح (لم أقع إلا على ما تتنازع في تفهمه الخواطر فقلت: أمر هذه القصيدة غريب عند أصحابها فكيف عند ما يريدون أن يقرءوها مترجمة وكل مترجم قد أنتحي ناحية قد لا تجمعه بالآخر إلا رموز! ولكن الروعة الغالبة في القصيدة لا ترجع إلى ألوانها القاتمة وصورها الغامضة وإنما تعود إلى فنها. وطريقتها التي جاءت بها.
في القصيدة غموض شامل! وهل كان الغموض سراً من أسرار البيان؟ وهل في استطاعتنا أن نجعل من الغموض مرادفا للبيان؟ ولكن هل كان البيان كله مستوعبا للفن كله ? أليس من الفن الشيء الغامض والشيء المعجب والشيء المثير؟ وهو بعد ذلك كله غامض جد الغموض لا ينفتح على النفوس إلا بقدر استقرائها واستجلائها للخطوط والألوان. . وهل كان اختلاف الناس في تفهم القصيدة الواحدة عيبا من عيوبها البيانية أم قيمة رائعة للقصيدة التي يتشعب من فنها فنون ومن سبيلها الواحد سبل متعددة.
أنا أحب الكتاب الذي يصرع قارئه طوراً وطوراً يصرعه قارئه كما يحبه أستاذنا الجليل. واحب القصيدة التي لا تتركنا إلا بعد أن تموج أنفسنا بشتى أهوائها وميولها، ولكني لا أحب (ولن أحب) أن يرجى الغموض في الفن لمجرد الغموض، لأن الآمر لا يؤول إلا إلى فوضى تعمل على تقويض الفن من حيث نحسب أننا عاملون عل رفعه.
هنالك آثار فنية واضحة كل الوضوح، ولكن المطلع عليها لا يلبث أن يرتد عنها ضيّق الصدر مظلم القلب، وهنالك آثار غامضة كل الغموض لا ينظر إليها الإنسان حتى تملأ نفسه روعة وجلالا. وتفتح أمامه من لانهاية الوجود. ما سر ذلك؟ العل في الفن شيئا