الصراع القديم بين الإنكليزية والفرنسية وموقف مصر من
ذلك الصراع
للأستاذ محمد عبد الله عنان
يعرف المتصلون بدوائر التعليم والثقافة في مصر أن صراعاً قوياً يجري بين الثقافتين الفرنسية والإنكليزية، تارة في الجهر وتارة في الخفاء. وقد كان تيار الثقافة الفرنسية هو الظافر حتى أواخر القرن الماضي، وكان يغمر المجتمع المصري المثقف، فلما رسمت سياسة الاحتلال الإنكليزية خطط الغزو المعنوي، اهتمت بنظم التعليم والتربية، وأخذت تعمل لتوجيهما بما يوطد نفوذ الثقافة الإنكليزية ويطبع الجيل الجديد بحبها والتعلق بها، فقلبت نظم التعليم، وحلت الإنكليزية مكان الفرنسية في معظم المواد، وتولى الأساتذة الإنكليز مقاليد الإدارة والتعليم في معظم المعاهد، وتحول سيل البعثات الحكومية من فرنسا إلى إنكلترا؛ ولم يمض ربع قرن حتى تم الانقلاب المنشود، وأسبغت على سياسة التربية والتعليم في مصر صبغتها الإنكليزية المحضة، وخرج الجيل الجديد من الشباب المتعلم يحمل تيار الثقافة الإنكليزية، وتضاءل نفوذ الثقافة الفرنسية وانحصر في بعض الجهات والمعاهد الأجنبية التي تعمل على نشرها
كان هذا الصراع بين الثقافتين الأجنبيتين على حساب لغتنا العربية وثقافتنا القومية، فلم تصب العربية خلاله حظاً يذكر من التقدم، وأغفلت كل المثل والاعتبارات القومية من برامج التعليم والتربية، وأوشك هذا الغزو الاستعماري المعنوي أن يقضي على أرواحنا وعقولنا، لولا أن وثبت البلاد وثبتها الوطنية في سنة ١٩١٩، وتذرعت للمقاومة بما بقى لها من العناصر الحيوية الكامنة، واستطاعت أن تحول السياسة الاستعمارية عما كانت تعتزمه من خطط الاستئثار الشنيع والقضاء على الحقوق والأماني الوطنية نهائياً، وأن تحرز بعض الغنم في ميادين السيادة القومية. وكان التعليم أحد هذه الميادين، فحررت نظمه وبرامجه من أغلالها القديمة نوعاً، وأنصفت اللغة العربية وأخذت تتبوأ مكانها اللائق كلفة أساسية لتدريس المواد في معظم المعاهد ومراحل التعليم، وكان ذلك ظفراً حقيقياً للغة البلاد