للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكن هذا التطور في ميدان التعليم والثقافة لم يحل دون استمرار المعركة القديمة بين الثقافتين الإنكليزية والفرنسية؛ فقد بقيت الفرنسية لغة إضافية في التعليم الثانوي، وضعف تيار الإنكليزية بما أتيح للعربية من مجال قوى للعمل والمنافسة؛ وظهر الضعف في الإنكليزية بين الطلبة قوياً، وأخذ نفوذ الثقافة الإنكليزية الذي كان متمكناً منذ عشرة أعوام فقط، يتضاءل بسرعة؛ واهتم الإنكليز لهذه الظاهرة؛ وبحث ولاة الأمر في أسباب ضعف الطلبة في اللغة الأجنبية الأساسية أعني الإنكليزية، وتضاربت فيه الآراء الفنية والعملية؛ أما نحن فلنا فيه رأى لا نرى بأساً من إبدائه. وهو أن هذا الضعف لا يرجع فقط إلى قصور الجيل الجديد من الأساتذة الإنكليز، ولكنه يرجع بالأخص إلى عوامل قومية، خلاصتها أن الخصومة القائمة بين مصر وإنكلترا تحمل الطالب المصري الذي أشربت نفسه بمبادئ الوطنية على نوع من الأسف والغضاضة لتلقي لغة الأمة الخصيمة على يد بعض أبنائها، وأن الأساتذة الإنكليز لا يؤدون مهمتهم في المعاهد المصرية كأساتذة فقط، ولكنهم رسل استعمار وسيادة أجنبية، ينظرون إلى الطلبة نظرة السادة إلى الرعايا والمحكومين، وفي أقوالهم وإشاراتهم دائماً مل يجرح شعور العزة القومية في هذه النفوس الغضة ويزهدها في بضاعة هؤلاء الأساتذة المتكبرين، ولو قام بتدريس الإنكليزية أساتذة مصريون ممن تخصصوا في دراستها، لكان ذلك أجدى وأنفع، ولزال كثير من أسباب هذه الشكوى

ولسنا نقف طويلاً بهذه النقطة، وهي ثانوية في نظرنا؛ ولكنا نريد أن أن نعرض إلى ما هو أهم من أطوار هذه المعركة المستمرة بين الثقافتين الإنكليزية والفرنسية؛ فقد طلب ولاة الأمر في وزارة المعارف أخيراً إلى بعض الأساتذة الإنكليز أن يبدوا رأيهم في سبب ضعف الطلبة في اللغة الإنكليزية، فصرحوا في تقريرهم الذي رفعوه إلى وزير المعارف بأن من أهم أسباب هذا الضعف في نظرهم هو اشتغال الطلبة بدراسة لغة أجنبية إضافية هي الفرنسية إلى جانب اللغة الأجنبية الأصلية وهي الإنكليزية، وإنه يجب إلغاء تدريس اللغة الفرنسية من التعليم الثانوي إذا أريد أن يتفرع الطلبة لدراسة الإنكليزية وأن تقوي مادتهم فيها. وقد كان إبداء هذا الرأي مثاراً لكثير من الجدل، ولاسيما من جانب الأساتذة الفرنسيين ومحبي الثقافة الفرنسية وأنصارها، فأخذوا يفندون رأي أساتذة الإنكليز ويدللون

<<  <  ج:
ص:  >  >>