للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أهمية الثقافة الفرنسية بالنسبة لمصر ووجوب تفضيلها على أية ثقافة أجنبية أخرى

وموقف الأساتذة الإنكليز من اللغة الفرنسية طبيعي معقول، وسواء أكان رأيهم فنياً مجرداً عن كل اعتبار أدبي آخر، أم كان مغرضاً موحى به، فلا ريب أنه يمثل ناحية من نواحي هذه المعركة الخالدة بين الثقافتين الأجنبيتين اللتين تتنازعان النفوذ في مصر منذ نصف قرن. ويلوح لنا أنه من جهة أخرى رأي عملي سليم من الوجهة الفنية إذا جرد عما قد يكون وراءه من الاعتبارات والعوامل؛ فالطالب إذا تفرغ لدرس لغة أجنبية واحدة دون أن تزعجه لغة أجنبية إضافية أخرى، يستطيع أن يحرز في هذه اللغة شيئاً من التقدم. ومادام أن ظروفاً سياسية خاصة تقضي بأن تكون الإنكليزية هي اللغة الأجنبية الأساسية في مصر إلى جانب اللغة العربية، ومادام أن مصر لا تستطيع في الوقت الحاضر أن تقرر اختيارها حراً مطلقاً، فلا مناص من أن نصدع بالأمر الواقع، وأن نبحث المسألة على ضوء هذه الحقيقة

الإنكليزية هي اللغة الأجنبية الأساسية التي تقررت في نظام تعليمنا. ومن المسلم به أن تعليم اللغات الأجنبية الحية عنصر جوهري من عناصر الثقافة الناضجة، وفي جميع الأمم العظيمة التي تتمتع بحضارة رفيعة، تعلم لغة أجنبية أو أكثر إلى جانب اللغة القومية؛ وهذا ما تفعله مصر بتعليم الإنكليزية. ومن المحقق أن الإنكليزية في مقدمة لغات الأرض انتشاراً وأهمية، وأن الثقافة والآداب الإنكليزية في طليعة الثقافات والآداب العالية الرفيعة. ولكن من سوء الطالع، أن تكون الإنكليزية في مصر إلى جانب هذه الاعتبارات العلمية، أداة للنفوذ الاستعماري؛ ومن مصائب مصر أنها مازالت مسرحاً للمنافسات الأجنبية؛ الثقافة الفرنسية أو بعبارة أخرى الثقافة اللاتينية، والثقافة الأنجلوسكسونية، واللغة الألمانية، واللغة الإيطالية، كل تحتل مقامها في هذه البلاد، وكل تحاول أن تدعم نفوذها وأن تزيده بطريق المدارس والبعثات الدينية والمؤسسات الخيرية المقنعة، وكل تدعي لأبنائها بعض الإدارات والمناصب الفنية في الحكومة المصرية قياساً على الماضي كأن الزمن لم يتغير، ولم تحرز مصر تقدماً، ولم تجش بأمنية التحرر من هذه الوصايات الخطرة

ففي هذا المعترك تتخبط مصر؛ وإزاء هذه الجبهة المشتركة من الثقافات واللغات الأجنبية المتنافسة في غزو عقولنا وأرواحنا تقف اللغة العربية وحيدة في الميدان. وقد أنصفت اللغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>