للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العربية في العهد الأخير نوعاً كما قدمنا، ولكنها مازالت في حاجة إلى إنصاف أتم وأوفى؛ وهي اليوم بلا ريب أقوى وأشد كفاحاً ومقاومة، وقد أتيح لها أخيراً أن تدلل على حيويتها المدهشة باستعمالها في تدريس كثير من مواد الدراسات العالية التي كانت تغلق قبلاً دونها بحجة قدمها وقصورها. غير أن العربية مازالت في مهادها الرسمية عرضة لمنافسة قوية من اللغتين الإنكليزية والفرنسية، الأولى كلفة أجنبية أساسية، والثانية كلغة أجنبية إضافية. والواقع أن هذه الفرنسية الإضافية لم تبق لها أية قيمة عملية في الدراسة، وقلما ينتفع الطلبة بتعليمها، وإنما هي أثر من آثار الصراع القديم والعهد الماضي، ففيم بقاؤها اليوم عنصراً من عناصر الإرهاق والتعطيل؟ قد يكون في اقتراح الأساتذة الإنكليز ما يبعث على الشك في نزاهته وأنه يرمي قبل كل شيء إلى تخلص اللغة الإنكليزية من منافسة قديمة. فليكن؛ ولكنا نستطيع أيضاً أن نحول هذا الإلغاء لمصلحة اللغة العربية والثقافية القومية، ذلك أن اللغة العربية تتخلص أيضاً بإلغاء هذه الفرنسية الإضافية من منافسة لا مبرر لها وليست لها قيمة علمية تذكر؛ ويكفي أن تضطلع العربية بالدفاع عن نفسها أمام غزو لغة أجنبية رسمية واحدة، وأن تقف مع الإنكليزية وجهاً لوجه، وأن تكسب بذلك قوة جديدة وأن تغزو ميداناً جديداً للعمل والكفاح

في وسع مصر أن تلغي الفرنسية من معاهدها، ولكنها لا تستطيع لظروفها السياسية الخاصة أن تلغي الإنكليزية. وإذن فلا ضير أن تلغى الفرنسية؛ وفي الإنكليزية كلفة ثقافية عالمية ما يكفي لتزويد المتعلم بكل ما يطمح إليه من صنوف العلوم والمعارف الحديثة، وكفى ما تلقاه البلاد من غزو معنوي منظم على يد المعاهد الأجنبية فرنسية وغيرها، وكلها تقوم برسالة غير رسالة العلم الخالص

لسنا نجد موضعاً للمفاضلة بين الفرنسية والإنكليزية فكلتاهما من أعظم اللغات الحية سواء في العلوم أو الآداب أو الفنون، وكلتاهما من أهم اللغات الدولية في المعاملات التجارية. ولسنا من أنصار ثقافة أجنبية بعينها، وإنما نؤيد الأخذ والاقتباس من كل ثقافة رفيعة. ولكن الأساتذة الفرنسيين في وزارة المعارف وأنصار الثقافة الفرنسية في مصر يضجون لفكرة إلغاء اللغة الفرنسية من مواد الدراسة الرسمية، ويشفقون على مستقبل الثقافة الفرنسية في هذه البلاد، فلم هذه الضجة ولم هذا الإشفاق؟ يقولون إن الثقافة الفرنسية هي أصلح الثقافات

<<  <  ج:
ص:  >  >>