[الكذب والصدق]
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
الكذب أسعدني والصدق أشقاني ... والكذب أضحكني والصدق أبكاني
الكذب صيَّر أعدائي ذويِ مقةٍ ... والصدق أبعد عني كل أخداني
كم ورطة كاد فيها الصدق يوقعني ... وبعد ذلك منها الكذب نجَّاني
حرمتُ أكثر ما عيشي يطيب به ... والصدق قد كان من أسباب حرماني
ما كنتُ أرعى نجومَ الليل في سهري ... بل كان فيه نجومُ الليل ترعاني
لولا أكاذيبُ آمالٍ تخادعني ... من كان يذهب أشجاني وأحزاني
إن الأمانّي تسلى وهي كاذبة ... وليس في الصدق من سلوى لأَسوان
الصدق مستنقعٌ في مائه أَسَنٌ ... فليس يملك إِرواءً لظمآن
والكذب بحر خِضَمُّ لا قرار له ... يحوي جواهر من درّ ومرجان
الصدق يلقاك بالأشواك جارحةً ... والكذب يبسم عن وردٍ وريحان
وقد يفوز أخو صدق بمأربه ... وقد يؤوب أخو كذب بخسران
لكن هذا قليلٌ غير مطرّد ... فليس يبني عليه رأيه الباني
إن الحياة بدنيانا لقائمة ... على الأكاذيب من زور وبهتان
الصادق الحرّ ذو فقر ومسكنة ... والكاذب الغِرَّ ذو مال وسلطان
إذا كذبتَ فقد أصبحتَ ربَّ تقي ... وإن صدقتَ فأنت الملحد الجاني
ما كنت تلعنني لو كنت تفهمني ... أو كان عندك وجدانٌ كوجداني
وربَّ أحدوثةٍ في صدقها سببٌ ... إلى إثارة أحقادٍ وأضغان
ورب أكذوبةٍ أدّت بحكمتها ... إلى زوال حزازات وعدوان
الصدق في بثه نارٌ مؤججة ... فليس يطفئها إلا الدمُ القاني
كم دولةٍ أنشأتها ساسةٌ كذبوا ... فأصبحت ذات أبراج وأركان
ودولةٍ بعد كذْب صان بيضتَها ... أضاعها الصدق، صدقُ العاهل الواني
لا تنكروا ما به قد جئتُ أخبركم ... إني إذا قلتُ فالتاريخُ برهاني
هل السياسة إلاّ كذبُ باقعةٍ ... على جماهير من بُلهٍ وعميان