إنه لا يزال في الناس يا سيدي من يتهم المشايخ بالغلاظة والثقالة، ولا يزال في المشايخ من يقدم للناس أدلة هذا الاتهام مع أن العلماء كانوا هم أهل الظرف، وكانوا بُرَاء من هذه الصفات التي ينكرها الناس على (علمائنا) والتي جعلوا لها من إنكارهم إياها اسما عَلَما عليها هو (المشيخة. . .) وما يريدون بها إلا الغلاظة، كأن الرجل لا يكون شيخاً عالما إلا بهذا الوقار البارد وهذا التزمت الفاسد، وهذا الجد الكاذب، والسبحة الطويلة والنصائح المتكلفة المكررة المملولة، والأمر بالمعروف بغير الأسلوب المعروف، والنهي عن المنكر بالطريق المنكر، وإقامة القيامة على (الضعيف. . .) يحلق لحيته، أو يحرق دخينته، أو يؤم المساء في غير محرم قهوته، ويسكتون عن منكرات الحكام، وضلالات الأحكام. . .
لذلك شكرت لك ما كتبت عن ظرف الفقهاء، وما دفعت عنا (معشر
المشايخ) من هذه التهمة (غير) الباطلة، وجمعتُ طائفة صالحة من
الأخبار المتفرقة في كتب السيرة والتراجم، وأسفار المحاضرات
والأدب، من ظرف العلماء من لدن سيد العالمين وإمام العالمين محمد
صلة الله عليه إلى العصور المتأخرة لأهديها إليك ثم وجدت كتابين في
هذا الباب:
كتاب (الظراف والمتاجنين) لابن الجوزي وهو في (١٠٦) صفحات وقد كان طبعه في دمشق الأستاذ حسام الدين القدسي منذ ثمان عشرة سنة وكان شرفني بكتابه مقدمة له، هي من أوائل ما كتبت.
وكتاب (المراح في المزاح) للبدر الغزى، وهو أجمع لأخبار هذا الباب، وقد طبعه في دمشق الأستاذ الأديب أحمد عبيد.
وبعد، فلعلك يا سيدي تكتب أنت الفصل الجامع في (ظرف الفقهاء).
قرأت ما كتبت يا سيدي في العدد (٦٨٧) فقل لي سألتك بالله، أأنت تجد أم تهزل؟ وهل تنقل هذا الهذيان عن أستاذ في الجامعة أم عن حشاش في القهوة؟ وهل هذه هي دروس