للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من قصص جحا]

٣ - الغريق الناجي

للأستاذ كامل الكيلاني

(صفحة مختارة من المخطوط الجحوي النفيس الذي عثرت عليه، ولعله مكتوب بخط صاحبه (أبي الغصن عبد الله دجين ابن ثلبت) الملقب بجحا أو بخط أحد معاصريه).

(. . . منذ مائتين وألف من السنين كان (عبد الله دجين ابن ثابت) يسير خارج المدينة وقد ساد الظلام الكون، فكاد يحجب الطريق عن العيون، لولا بصيص ضئيل من ضياء النجوم، كانت ترسله السماء إلى الأرض، كما يرسل الرجاء نوره إلى ظلمات النفس، فيكشف من يأسها الحالك، ويفتح لها طريقاً نيراً تسله في ظلمات الحياة.

وساد الصمت وخيم السكون لولا نقيق الضفادع المرحة، منبعثاً من ضفة النهر، وجلس (عبد الله دجين) هادئ النفس مطمئناً، برغم ما لقيه في ذلك اليوم من الكوارث والأحداث. ولولا أن بعض ما حل به من المصائب قد أصاب غيره لما وجد العزاء إلى نفسه سبيلاً، ولضاقت عليه الدنيا بما رحبت، ودارت به الأرض قائماً.

تسألني ماذا لقي (دجين) من النكبات. فاعلم - حفظك الله ورعاك وسلمك من كل سوء - أن بعض الأشرار قد أحرق بيته. وأن الزمن تنكر له فاستهدفت أسرته للجوع والمرض. ولم يكد أصحابه يرون ما حل به من الملمات حتى هجروه وابتعدوا عنه بعد أن كانوا يتوددون إليه ويلتمسون معونته. وانقبضت أيديهم عنه بعد انبساطها، فلم تمتد إليه بالمساعدة يد واحد من أصدقائه وأصفيائه الذين كان يدخرهم للنوائب ويستبقيهم للشدائد ولم يكن ينقصه شيء ليكون أتعس خلق الله إنسانا.

ولولا عطف جارته (زبيدة) المحسنة على زوجه وولديه لهلكوا جوعا، ولكن الله لطف بهم فسخرها لهم لتتعهدهم في أيام النحس والشقاء.

وقد لقي (دجين) تلك الخطوب والنكبات باسم الثغر وضاح الجبين، مملوء القلب بنور اليقين. ولعلك تدهش إذا قلت لك إنه كان يشعر في تلك الليلة بطمأنينة وثقة لا حد لهما.

وكانت الضفادع قد سكتت حين رأته قادماً عليها، فلما أستقر به الجلوس على ضفة النهر، عاودتها الشجاعة، فأنست به واطمأنت إليه، وأقبلت عليه وقد استولت عليه البهجة فراحت

<<  <  ج:
ص:  >  >>