قال: لأنك لا تعرف الدنيا. . . لذلك تجيء كتابتك بعيدة عن الحقيقة، خالية من الصور، ليس فيها حياة، ولا ابتكار.
قلت: إن ناساً قد زعموا إلى غير ما قلت.
قال: هو ما أقول لك، فلا تصدقهم، إنهم يضحكون عليك إني ألحظ من كتابتك أنك تعيش منطوياً على نفسك، بعيداً عن الدنيا، فقل لي، بالله عليك، كيف كنت تعيش في دمشق؟
قلت: كما يعيش الناس؛ أغدو على محكمتي صباحاً وأخرج منها ظهراً، فأمر على المكتبة العربية وهي من أحب الأمكنة إليّ، وأصحابها إخوان كرام عليّ، فألبث فيها ساعة، وقد أتغدى فيها، ثم أمضي إلى الدار فلا أفارقها إلى غداة الغد، إلا مرات معدودة في السنة كلها أزور فيها صديقاً أو قريباً، أو أخطب في حفلة، وقد كنت قبل أن ألي القضاء أجلس أحياناً في قهوة، أو أمضي إلى سينما، فتركت ذلك كله.
قال: وفي مصر؟ كيف تعيش ومن زرت وماذا رأيت؟
قلت: أعيش أعيش أنا وأسرتي في منزل خالي، وأمضي إلى (الرسالة) كل يوم، وإلى الوزارة أو المحكمة أو المجلس الحسبي في أكتر الأيام. وأنا في مصر كما كنت في الشام، معتزل متفرّد أفرّ من لقاء الناس، وأنأى عن المجامع، ولم أزر أحداً في داره إلا نفراً من علماء الأزهر، وزرت لجنة التأليف والترجمة مرة، وجلست مرة واحدة في القهوة، وخمساً في السينما، رأيت في إحداها (فلماً) عربياً فخرجت منه غضبان أسِفاً، ورأيت في سائرها أفلاماً فرنجية، ومشيت إلى الحدائق والمتاحف ولولا الصغار ما مشيت إليها؛ فقد وجدت