ولقد مر بك أن (المتطوعين) المصريين في الحرب الكبرى لم يجدوا من يضع لهم أناشيد تعرب عن آمالهم، فوضعوا لأنفسهم تلك الأناشيد كما تخرج الأرض المهجورة زرعها (الشيطاني)، وكان بعض الذي وضعوه نظماً ولحناً مما يستحق الإعجاب لدلالته على خوالج نبيلة كالشوق إلى الوطن، وكالشكوى من تحكم السلطة العسكرية إذ ذاك في التجنيد باسم (التطوع).
ولقد قرأت في بعض الصحف الإنكليزية على أثر الثورة المصرية بحثاً ضافياً عن أسباب تلك الثورة، وقد عدَّ كاتب ذلك البحث مسألة (التطوع الإجباري) من أهم المسائل التي أدت إلى الثورة وأستدل على ذلك باللحن الذي أشرنا إليه في المقال السالف ونشره بلغته العربية بأحرف إنكليزية مع ترجمته إلى تلك اللغة، وهكذا كانت ترجمته:
والنص هو:
بلدي يا بلدي ... والسلطة خدت ولدي!
ومن البديهي أن الذين كانوا يتغنون بهذا النشيد ليسوا هم الذين أخذت السلطة أولادهم، ولكنهم هم الأولاد المأخوذون
وكان المأخوذة أولادهم مقيمين في مصر، أما الذين يرددون هذا اللحن فكانوا بعداء عنها يتحرقون تشوقاً إليها بدليل البيت الآخر وهو:
يا عزيز عيني ... وأنا بدي أروح بلدي
ولكن هكذا الشعر الذي ينال شرف السيرورة لا يمكن إلا أن يكون صادق التعبير عن البيئة التي صدر عنها.