يحملونه من أن تكون حزناً عليه، وإلا فكيف يكون هذا الزعيق وهذا التهريج حزناً في أي وضع من الأوضاع؟!
ولو أن متفنناً في التهريج أراد أن يحشد (كرنفالا) من المهرجين لما تعلق خياله بأبلغ وأروع من ذلك الكرنفال الجنائزي
وتأتي بعد ذلك الآلة الحدباء يحف بها من رهبة الموت وجلاله ما لا يتفق مع هذا التهريج المنكر أمامها. . . ومن ورائها ذيل أسود طويل بغيض لعله أشد نكراً من الطليعة؛ هؤلاء النسوة الماشيات أو الراكبات عربات (الكارو)، ومنهن من تدور طرحتها حول عنقها كالحبل، ومنهن المصفقة كفاً بكف، والمشيرة بمنديلها إشارات عجيبة مزعجة معاً، والمولولة المترنحة ذات اليمين وذات الشمال؛ وأفظع من هؤلاء الصابغات وجوههن (بالنيلة) في شكل لا يمكن أن يتخيل معه أنهن ينتمين إلى بنات حواء. . . ولا أريد أن أزعج خاطرك - أيها القارئ - بوصف أصواتهن التي تجيء مع ذلك الزعيق في المقدمة نشازاً على نشاز، وشناعة على شناعة. . .
وبعد، فهل في هذا شيء يتفق مع الدين أو يجوز في عرف معقول أو يليق بسمعة أمة؟. . . ولشد ما يوجع نفسي أن أذكر وا أسفاه أني رأيت مثل هذا المنظر مرتين في أسبوع واحد أمام دار الآثار ساعة (انصراف السائحين)؛ فسألت نفسي والألم والخزي يحزان في صدري: ماذا عسى أن يقول هؤلاء عن حياتنا الاجتماعية إذا رجعوا إلى قومهم؟ وهل هم يرون (الأنتيكة) التي جاءوا ليروها داخل (الأنتيكخانة) حقاً؟ أم أنهم يرون ما هو أبلغ في معناه منها في شوارع العاصمة الكبيرة؟!
يا وزارة الشئون الاجتماعية. . . هذا والله في صميم الشئون الاجتماعية. . . شيعي هذا المنظر إلى حيث لا يعود، فهذا لعمري وعمرك خير من إنشاء ألف حديقة في هذه المدينة أو نشر ألف صحيفة من صحف الدعاية عن مصر والمصريين.