بعد أن تغادر حدائق التويلري المغروسة أمام متحف اللوفر ترى ميدان الكونكورد أجمل ميادين باريس. وفي وسط هذا الميدان الفسيح الحي تنهض إحدى المسلات المصرية، وقد أقيم قريباً منها على الجانبين فوارتان. وإذا وقفت أمام هذه المسلة رأيت عن يمينك المعبد وعن يسارك مجلس نواب فرنسا مطلاً على نهر السين، وأمامك طريقاً يصل إلى غابة بولونيا
منذ زهاء ثلاثة وثلاثين قرناً أنشأ هذه المسلة وأختها إمبراطور مصر رمسيس الثاني، حيث أقامهما عند باب معبد الأقصر، وقد ظلت المسلتان معاً واقفتين أمام هذا المعبد الضخم حتى القرن الماضي حينما أهدى محمد علي الكبير إحداهما إلى ملك فرنسا لويس فيليب، وهي القائمة الآن بميدان الكونكورد، وأما المسلة الثانية فظلت حيث أنشئت وحيدة
أنشأ الشاعر الفرسي تيوفيل جوتييه قصيدتين إحداهما على لسان المسلة الغريبة بباريس، والأخرى على لسان المسلة المقيمة بالأقصر. وتيوفيل جوتييه من أدباء القرن التاسع عشر، ولد في أوائله وبدأ حياته رساماً، ثم ترك ريشة المصور إلى قلم الأديب؛ غير أنه ظل في الأدب رساماً كذلك؛ وهو يرى أن من حق الأدب أن ينافس الفنون الأخرى كالرسم والتصوير والحفر، فيما تتناوله من الموضوعات، وقد حقق فكرته في ديوانه فموضوعاته تصوير لما تراه العين قبل أن تكون تصويراً للإحساس والشعور؛ فتراه يصور لك مثلاً تمثالاً في متحف، أو آنية مزخرفة، أو باريس تغطيها الثلوج، إلى غير ذلك من صور. وهو الذي أذاع نظرية الفن للفنّ؛ فأهم شيء عنده هو الجمال الفني والأسلوب، أما الفكرة والأخلاق ففي المرتبة الثانية. وهو ممن حلّ الشعر من قيود الشخصية، وكان قدوة لغيره في استخدام الأساليب الدقيقة المصورة. ولعلنا نوفق يوماً إلى دراسة مذهبه في