ولم يقتصر تيوفيل جوتييه على قرض الشعر؛ بل له قصص قصيرة، وروايات مطولة، منها رواية كتبها عن مصر، تسمى قصة المومياء، وصف فيها مصر القديمة، حياتها ومجدها. وقصيدتا المسلتين بديوانه الذي تحدثت عنه، وهأنذا أنقلهما إلى اللغة العربية، محافظاً كل المحافظة على ما قصد إليه الشاعر من صور وأفكار
١ - مسّلة باريس
في هذا الميدان أتضجر، أنا المسلة المبعدة عن أختها. الجمد والصقيع والرّذاذ والمطر، برّدت جنبي الذي علاه الصَّدأ
وقمتي المدببة العتيقة التي كانت محمرة في أتون سماء ذات لهب ارتدت الشحوب من حنينها إلى الوطن في جو لا يزرق أبداً
لِمَ لا أقف الآن قريبة من أختي ذات اللّون الورديّ، أمام التماثيل الضخمة العابسة، وأعمدة بيبان الأقصر، غامسة في الزّرقة الدّائمة رأسي الهرمي القرمزي، وكاتبة خُطى الشمس بظلي فوق الرمال.
رمسيس! كاد الخلود يوماً ما يتصدع حين تدحرج جسمي الجميل مقتلعاً كعود من عشب، باريس تتخذه لعبته.
الديدبان الصخري حارس الآثار الضخمة، يقف بين معبد كاذب قديم، وبين مجلس النواب.
فوق مقصلة لويس السادس عشر، أقيم صخر نسي مغزاه، وفيه سرّي الذي نسي منذ خمسة آلاف عام.
العصافير الطليقة تدنس رأسي الذي كان يطير مسرعاً حوله اللقلق الوردي، والصقر ذو الريش الأبيض، والمناسر الذهبية.
نهر السين الأسود، مأوى مياه الطرقات، النهر القذر، المكون من صغار الجداول، دنَّس قدمي التي كان يقبلها عند فيضانه النيل أبو الأنهار.
النيل العملاق، ذو اللحية البيضاء، المحفوف بنبات اللوتس والخيزران، والذي يصب منبعه المنحدر تماسيح بدل صفار الأسماك