للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صلات علمية]

بين مصر والشام

في النصف الأول من القرن الثامن الهجري

للأستاذ محمد عبد العني حسن

طلع هلال المحرم من القرن الثامن الهجري على العالم العربي بأحداث جسام؛ وسلطان المماليك في مصر هو الناصر ابن قلاوون، ونائب مصر الأمير سيف الدين سلار؛ ونائب الشام آقوش الأشرم؛ ونائب حماة قراسنقر المنصوري بعد موت الملك المظفر

وكان التتار في أواخر القرن السابع الهجري قد أغاروا على الشام مرتين فردهم بيبرس على أعقابهم. وفي سنة ٧٠٠هـ أي في مستهل القرن الجديد أغاروا ثانية على الشام بقيادة قازان وأحلوا بها الحرمات وكثر عبثهم فيها وقتلوا وسبوا النساء واقتحموا على الناس المساجد، يحطمون أبوابها ويحاربون الله فيها. . .

وهنا يقف علماء الشام موقفاً رائعاً، فيحرضون الناس على الدفاع، وينظرون شزراً إلى ذهب التتار وفضتهم اللامعة؛ ويقف رجل منهم جليل هو ابن تيمية معلناً أن أهل الشام لا يسلمونها إلى عدو الله ما دامت فيهم عين تطرف؛ ويرسل إلى نائب قلعة دمشق يقول له: لا تسلمهم القلعة ولو لم يبق فيها إلا حجر واحد. ويستجيب المسلمون إلى صوت شيخ العلماء فيقفون صفاً واحداً، حتى يكرهوا العدو على الرحيل ويطهروا البلاد من أرجاسه

وكان ابن تيمية هذا يقظاً متنبهاً لأحداث زمانه، وليست فيه غفلة بعض. الفقهاء، ولكنه رجل صاحي العين والفؤاد. وكيف ينام والعدو على أبواب دمشق؟ فهو يقضي الليل قائماً يحضض الناس على الصبر؛ ويدور كل ليلة على أسوار دمشق يحرض الناس على الثبات ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط.

وليس يعنينا من القرن الثامن أحداثه السياسية، فذلك ليس موضوع البحث، ولكن يعنينا حالة العلماء والفقهاء فيه فقد ظهرت بين للقطرين الشقيقين في ذلك العهد مشاركة في مناصب العلم والوعظ والفضاء، وكان كثير من علماء مصر يعينون في الديار الشامية؛ كما أن كثيراً من علماء الشام يعينون في مصر. وكان أحرار العلماء - وأعني بهم غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>