للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[النقد]

حول الينبوع أيضاً

إلى الدكتور احمد زكي أبى شادي

أما أنا، فأني أرى اللجاجة ليست تفيد، وما كان مثلي يبغي النغرض، وما كان مثلي يهوى التسرع، وإنما صح ما توقعت ووقعت الواقعة، وإذا أنا أعود فأردد مرة أخرى، ما عرفت الدكتور وإضرابه من إخواننا المصريين، إلا أباة على النقد، يثيرون من أجله المعارك، ويتسارعون بسببه إلى الخصام والنزاع،

فأنا أغتفر للشاعر حدته في الرد، لأن الشاعر أناني بطبعه يأبى أن يسخف له الناس أثره، ويكره من يبخس شيئا من قدره، وأشكر له حسن ظنه بي، ولا أبغي تسجيل هذه الكلمة عليه، ثم أضرب صفحا عن الماضي بأجمعه، وأعيد النظر في ينبوعه من جديد، وأؤكد له أنني قرأته مرة ثانية، وأؤكد له إنني حاولت أن أفهم، وأعوذ باله أن أزعم ان نفسه قد حلت في جسمي، فلست أعتقد بالحلول. ولا أزعم أن عواطفي قد اصطبغت بلون عواطفه فهذا أمر يعرف استحالته من الوجهة (البسيكولوجية) وأسأله العفو والمغفرة إن كفرت بقوله

كن أنت نفسي واقترن بعواطفي ... تجد المعيب لدي غير معيب

أأفرط في أنانية الشاعر، إذ كيف يعقل أن يتشابه الناس تماماً والمادة وفي الروح. وما تشابهوا، لكن الشيء الممكن الذي أستطيع القيام به، هو أنني حاولت أن أوجد التجاوب الروحي بين نفسه وبين نفسي، مع أني لم أحاول أن أخلق مثل هذا التجاوب من قبل، فابن الرومي مثلا، لا يوجد أقل تجاوب روحي بين نفسه وبين نفسي، ولكنني معجب به لا لأنه يضرب على الوتر الحساس من قلبي، ولا لأنه يهيج دفين آلامي وأشجاني، بل لأني أجد في شعره فنا رائعا لا أستطيع إنكاره وبخسه. ولأضرب للدكتور مثلا آخر هو فيكتور هوجو فأنا أرى في شعره رأيا يخالف رأيي في ابن الرومي وربما كانت نفسه أقرب إلى نفسي من نفس بودلير الذي أعجب به إعجاباً شديدا.

فليس من الحتم على قارئ الشعر ألا يستسيغ إلا الشعر الذي تشابهت فيه نفسه مع نفس الشاعر، فقد يحب وقد يكره، ولكن هناك الفن الشعري، وهو الجامعة التي تؤلف بين القلوب، وتوحد بين الأفئدة، وما أظن في الناس إلا الحمقى يهزون أكتافهم إذا قرئ لهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>