شيء من الشعر الخالد الذي يتسم بصفات الفن الرائع، ولو كان يخالف نظرتهم وفطرتهم:
إن من عادتي يا سيدي الدكتور أن أعمد إلا الأفكار التي تكون طراز تفكيري، والمبادئ التي أستند إليها في تقديري، فأتناولها بين آونة وأخرى بالبحث والمراقبة والتشريح أبتر ضعيفها، وأنعش هزيلها. وأنشط قويها. قلت. . . ربما كان رأيي في شعر أبي شادي من القبيل الضعيف. فلأعد النظر وأؤكد للدكتور أنني كنت قاسياً على نفسي حتى يرضى.
فاللهم جنبني الشبهات، وسدد سبيلي، وحبب إليَّ الحق لأتبعه، ووجه روحي إلى النور لأدرك كنه صفحات الحياة التي تلوح لعيني كروح في ثوب صفيق من المادة. فإذا أبصرت بها واستهوتني اندفعت بكل ما في نفسي من جموح، لادرك سر تلك الروح.
الشعر مادة وروح، وشعر أبي شادي كذلك. فما هي المادة التي تتمثل في شعره؟ لا شك أنها اللغة، واللغة كما أعلم وتعلم هي الأداة المادية التي تشرح دخيلة الروح. ومع أن الدكتور قد جزم بأني لست ممن يصلحون لنقد لغة شعره وقد استحسنها من قبل أسياد كمصطفى جواد وغيره.!! فأنا أسير من حيث بدأت، فليست القضية قضية نحو وصرف وبيان وبديع، بل قضية ذوق شعري ولغة شعرية. وإذا شئت فقل قضية فنية بحتة، ويحسن بأولئك المدرسيين أن يتركوا الساحة قليلا، ويريحوا الناس من الإعراب والبناء التقدير، فهذا أمر تافه يدركه صبية المدارس، وقد أفنى الأقدمون فيه كثيرا من الوقت والجهد، وقد جاء هؤلاء في آخر القافلة
أقع بنظري على قصيدته التي أراد أني يفحمني بها، والتي أراد أن يبهر بها الناس فاقرأ:
نرى في البر الوان التناجي ... وفي البحر المشارف والعميق
أو قوله:
كأن الحسن ذاب بكل لون ... نراه وفي المياه وفي الطريق
اللهم أين كافر بالشعر إن كان هذا من الشعر، وكافر بأقوال مطران إن كان قد استحسن هذا القول مطران، وكافر بالأدب إن كان في رجال الأدب من يستسيغ هذا ويعجب به
أؤكد للدكتور أني غير موفق في انتقاء ما ينتقد. لكنني استعرض هذا وأمثاله. وقد يرى فيه مصطفى جواد أو غير مصطفى جواد منتهى الإجادة والبلاغة: أما أنا، أنا الشاك الذي بم يتكامل التجاوب الروحي بين نفسه وبين نفس أبي شادي، أنا الذي أسجل خطرات تشمئز