للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقالات في كلمات]

للأستاذ محمود غنيم

العدل المطلق

أسرفت القوانين على اختلاف أنواعها في توخي العدالة، ولكن يظهر أن تحقيقها لا يزال يقتضي انتظار زمن طويل، إن لم نقل: إن ذلك مستحيل

أرأيت ذلك الذي يطيح القصاص برأسه جزاء إثم اقترفه؟ لقد حكم القضاء بإدانته مرتاح الضمير، معتقداً أنه أقر الحق في نصابه، وقابلت أنت الحكم بالهتاف للعدالة، ونسيت أن لهذا الحكم العادل ناحية فيها ظلم صارخ. ما ذنب أطفال هذا المجرم الذين أسقطهم القضاء من حسابه، فحرمهم كاسبهم، ورماهم باليتم من غير إثم اقترفوه؟ أغلب الظن أن القصاص العادل مهد لهؤلاء الأطفال البرآء سبيل الأجرام، فكأنه استأصل شراً وأنبت شروراً، وأراح الإنسانية من وجه ثم أتعبها من وجوه

ما ذنب المرأة يلقي زوجها في أعماق السجون باسم القانون، فتتضور تلك الحرة جوعاً، أو تأكل بثدبيها؟ وقد تكون حياتها - وهي البريئة الطليقة - أشأم من حياة زوجها - وهو المذنب السجين -؟

وكم تكون دهشتي كلما تذكرت حكم الفقهاء في طلاق السكران المتعدي! إنهم يوقعون طلاقه تغليظاً عليه، كأن مسألة الطلاق لا تعني إلا إياه، وليس الرجل فيها إلا طرفاً من طرفين، بل من عدة أطراف، إذا لم نسقط من حسابنا شريكته في الحياة وأطفاله الصغار. ألسنا بذلك نكون قد قضينا على زوجة، وشردنا بنين، لأننا أردنا أن نلقي على رجل سكران درساً أشك كل الشك في قسوته؟ أجل، فمن الجلي أن الرجل هنا يرتكب أخف الضررين، ففي استطاعته أن يتزوج لأن أمر زواجه موكول إليه، أما الزوجة المنكودة - التي لم تعاقر الكأس ولم تغش الحان - فعليها أن تنتظر ثم تنتظر، لأن أمر زواجها ليس إليها

كلنا يهتف للمساواة ويعتبرها ضرباً من ضروب الأنصاف، ولكني ألاحظ أن ذنباً واحداً قد يقترفه اثنان، معيشة أحدهما في السجن لا تختلف عنها كثيراً في منزله، بينما يؤثر ثانيهما الانتحار على أن يقضي في السجن سحابة نهار. فهل تعتبر توحيد الحكم عليهما من العدل في شيء؟ ثم ماذا تقول إذا كان أحدهما متعطلاً لا كسب له، وكان للثاني عمل يدر عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>