للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

عودة الروح

- ٢ -

ما أظن إننا نغالي إذا اعتبرنا قصة (عودة الروح) للأستاذ توفيق الحكيم مؤلف (أهل الكهف) القصة المصرية الأولى في أدبنا المصري الصميم، بل هي في الحقيقة لا نعددها ولا نجد مفرا من الاعتراف بها، فعودة الروح مصرية بأبطالها، بموضوعها، بما فيها من عادات وطباع وخلق مصرية صميمة، بذلك الطابع المصري الصميم الذي يطالعك في كل صفحة منها بل في كل سطر وكل كلمة تضمنتها. وانك لتحس إذ تقرأ هذه القصة وتمضي في القراءة وتمضي فيها انك تعيش في جو تألفه، وبين قوم سرعان ما تشعر بالرابطة القوية التي تربطك بهم، رابطة المصرية المتينة التي تحجبهم إليك وتجعلك تحسهم أحياء يتحدثون ويتحركون، لا أبطال قصة من صنع الخيال من ورائهم المؤلف يفتعل لهم المواقف، ويفتعل لهم الحديث والحركة، وانك لتهم أحيانا أن تشترك معهم في الحوار وتشاطرهم حياتهم ودنياهم الزاخرة بشتى الانفعالات المليئة بألوان من الشقاء واليأس حينا، والسعادة والأمل حينا آخر.

وهذه المصرية الصحيحة، وهذه الحياة القوية الفياضة، هما سمة هذه القصة وطابعها البارز، وهما قد جعلاها في الطليعة بين كل ما كتب من القصص المصري منذ عرف أدبنا القصة إلى اليوم.

يروعك من هذه القصة لأول وهلة دقة تصوير شخصياتها على اختلاف كبير بينهم في النشأة والعلم والاستعداد الشخصي، وانك لواجد في كل منهم شخصية تخالف الأخرى وتفترق عنها في الكثير والقليل، تجمعهم أحيانا وحدة الحادثة، ولكن ما أشد تباينهم تجاهها في الشعور والحس والإدراك الصحيح، وما أشد هذا التباين في الاندماج في الحياة والانفعال بمختلف ما تأتي به من خير أو شر، من رجاء أو خيبة، وتكاد تحس فيهم جميعا طيبة القلب، وسذاجة الفطرة، والتبسط في الحياة، وتقبل ما تأتي به صروفها من ألم أو أمل، في رضى واستسلام، أو في غضب هو بالرضى أشبه، ولكن كل وحده وكل له بعد ذلك خلقه البارز وطبعه المغاير وشخصيته الفذة التي تترسمها ولا تكاد تخفي على ناظريك

<<  <  ج:
ص:  >  >>