للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسائل حاج]

٤ - من ربوع الغرب إلى بلاد العرب

للمستشرق المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس

أستاذ التاريخ بجامعة بودابست

تتمة

وقف جلالة الملك ابن السعود فوق ذروة (جبل الرحمة) كرمز خالد لعبقرية الأمة العربية، يذرع الفضاء بعين نسر جبار، ويشرف على راحة الحجاج الضاربين بين خيامهم في السهول المجاورة. لكم كان منظره فاتناً خلاباً، والشمس تكنفه وتشرق عليه، بينما يلتف حوله الحرس الوهابي بملابسهم المزركشة وخناجرهم التي تلمع مقابضها في وهج الظهيرة.

وقبيل الغسق تحرك الركاب الملكي شطر (المزدلفة) فظهر في الجو غبار كثيف امتزج بصيحات الوهابيين الذين كانوا يهتفون (نحن أنصار التوحيد، اخوة من أطاع الله) وليس لأي كاتب مهما بلغت عبقريته أن يصف هذا المنظر وصفاً شافياً، ومن لي بالفصاحة والبيان لأصوره على حقيقته؟

وعند وصولنا إلى (منى) بلغ مسامعنا نبأ محاولة اغتيال الملك، فان ابن السعود ما كاد ينتهي من طوافه للمرة الثالثة حتى داهمه أربعة من اليمنيين وهم يصيحون بأعلى أصواتهم: الله اكبر! الله اكبر! محاولين أن يطعنوه بخناجرهم. فان لليمنيين مهارة وحذقاً خاصاً في استعمال الخناجر، لكنهم لم يصيبوا سوى ولي العهد وهو يهم بإنقاذ أبيه. ثم حمل الجنود على الجناة وحاولوا أن ينزعوا سلاحهم. ولما لم يفلحوا اضطروا إلى رميهم بالرصاص، وأريقت دماؤهم فوق ثرى هذه الأرض المقدسة. وكان الملك الذي طالما خاض غمار حروب ومعارك حتى لم يخل جسمه من شبر واحد من آثار الجروح، هادئا ساكنا فلم تبدُ على وجهه إمارات الجزع، بل قصد لساعته بئر زمزم فتوضأ، ثم عاد إلى إتمام طوافه بالكعبة

وكان للحادث أثره المؤلم في نفوس الحجاج، فاستنكروا بشاعة الاغتيال، وتوغل بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>