عطفا إلى اليسار في شعب من وادي الشيخ، فمررنا بأبنية قليلة الملاط كأنها حجارة مرصوصة، وعرفنا من بعد أنها كانت للجنود الذين رافقوا عباس باشا الأول حينما أقام في هذه البقعة من سيناء، وقد رأينا بناءً كبيراً على جبل شامخ قريب من الدير وهو قصر عباس باشا، وكان يحب الإقامة في البراري، ولا سيما في برية سيناء. وبلغنا الدير قبيل الغروب، فإذا حديقة إلى اليمين ذات سور قصير، بينها وبين الجبل طريق ضيقة تؤدي إلى الدير
والدير بناء واسع عال يحيط به سور متين علوه أحد عشر متراً وفي جداره الغربي باب صغير دخلناه إلى باب آخر وراءه باب ثالث إلى اليمين. وهذا السور الضخم، وهذه الأبواب الصغيرة المتتابعة تدل على ما كان يخشاه أهل الدير من غارات البدو وغيرهم في العصور السالفة. وللدير في أعلى جداره الشمالي باب عليه وقاية من الخشب أعد للدخول إلى الدير وقت الخوف. فيرفع الداخل في سلة معلقة ترفعها حبال على بكرة كبيرة تسمى (الدوار)، وتشد الحبال إلى عمود له ترس كبير يدور به عدة رجال، فتلتف الحبال وتمر على البكرة فترفع السلة، من هذا الباب أدخلت أمتعتنا
دخلنا إلى أبنية كثيرة لا يتيسر وصفها، فإنها لم تخط في وقت واحد، بل بنيت في عصور مختلفة. صعدنا درجاً إلى مستوى، ثم صعدنا مرتين فلقينا رئيس الدير فدخلنا إلى حجرة كبيرة، فجلسنا نتحدث وقدمت إلينا القهوة على الطريقة المصرية وعرض علينا النبيذ، والنبيذ يصنع في الدير وفي الواحات التابعة له في أنحاء سيناء، وهو من التمر، ولخمور الأديرة صيت ذائع في الشعر العربي، ومن أجل هذا كثر ذكر الأديار في الشعر منذ عهد أبي نواس، كان الشعراء يقصدونها لبعدها عن البلدان ونزاهتها وما فيها من خمور.
ثم خرجنا من الحجرة لنرى الحجر التي أعدت لنزولنا، فصعدنا إلى طبقة ثم أخرى في