قرأت في عدد ٩٠٩ من الرسالة الغراء كلمة للأديب السيد عبد الخالق عبد الرحمن من بغداد يعلق فيها على مقال للأستاذ علي العماري بعنوان (دم الحسين) وقد استغرب السيد عبد الخالق وأخذته الدهشة من تطرق الأستاذ العماري إلى رواية تعد من الخزعبلات والأباطيل!! أما الرواية فهي: أن (الفارس الذي منع (الحسين) الماء مات عطشان بالرغم من أنه كان يسقى الماء حتى يبعر ثم يعود فيشرب حتى يبعر وما زال كذلك حتى لفظ أنفاسه) ومنشأ الاستغراب عند السيد عبد الخالق من أنتكون للحسين فضيلة يظهر أثرها في حياة مانعه الماء. وأحسب أن الشك يسري بالأديب المستغرب إلى حديث (الغمامة) التي كانت تظل النبي (ص) وإلى كراع (المعز) التي أشبعت جيش النبي، وإلى عادة هز الكتفين التي لازمت أبا جهل حين كان يسخر من مشية النبي، وإلى حديث (التلباثي) على حد تعبير الأستاذ العقاد، وغير ذلك من الروايات المماثلة التي تعج بها بطون الكتب الدينية والتاريخية. وقد تستفز السيد عبد الخالق هذه المقارنة بين النبي (ص) وبين سبطه الحسين، وأؤكد له أن موقفي حيال هذه الروايات التي تعد خرقاً للطبيعة موقف التشكيك والتأمل، ولكن تصديقي رواية (الفارس) التي ذكرها الأستاذ العماري قد لا يعترضه الشك لا لسبب ديني ولكن لسبب آخر يستند إلى (علم النفس) وحده، فإن قتل الحسين على تلك الصورة التي تحدث عنها التاريخ (المحايد) لم يكن هيناً على المسلمين. ولعل هذا (الفارس) الذي يمنع الحسين الماء قد ندم وشعر بجسامة ذنبه مع ابن بنت نبي المسلمين الذين يزعم (الفارس) أنه منهم، أو أن الضمير الإنساني الذي استيقظ فيما بعد نبهه إلى فظاعة الجرم فانتهى به المطاف إلى الندم الشديد ولكنه ندم لا تستجيب له العقيدة الدينية أو الضمير الإنساني، ثم انتهى به الندم غير المجدي إلى عقدة نفسية وحالة من اللاشعور تدفعه إلى اعتياد شرب الماء فلا يرتوي أو لا يكاد يرتوي حتى يعود إلى الشرب نتيجة للإرادة اللاشعورية.
وهذه الرواية أصدق ما تكون بالنسبة لهذا الفارس لأن الصورة التي طلت ترافقه وتهيمن على ضميره اللاشعوري هي مشهد النهر ومشهد الحسين حين يقترب إلى النهر ليشرب