(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية
والخيال. . .)
للأستاذ محمود الخفيف
- ٢٢ -
البرسبيزينز والصدمة الثانية:
قلت قيمة المرأة في نظر ملتن، وانحط مستوى الطبيعة البشرية عما قدر لها من قبل في خياله وفكره، وساءه أن يعرض معاصروه عن آرائه في الطلاق، وما جاهد جهاده إلا لخيرهم؛ وآلمه وكدره أن يخاصمه بعض الناس وأن يناصبوه العداء؛ وجاءت مخالفة البرسبتيرينز إياه بعد ذلك، فكانت هي الطامة الكبرى.
قدر ملتن أن سوف ينظر إليه أهل عصره لما أذاع فيهم من رأي في الطلاق نظرتهم إلى مصلح عظيم، وكان يرى في تطلع ذلك العصر إلى الإصلاح وشد ميله إلى تغيير كل شيء وعلى الأخص في السياسة والدين حافزا يحفزه ويزيده استبشارا وأملا، كما كان يدفعه إلى الجد ويوحي إلى نفسه أنه يعمل عمل أفذاذ المصلحين، شدة ثقته في نفسه وكثرة الذهاب بها ويقينه من تمكنه وضلاعته واتساع أفقه، وما يرى من إكبار أصحابه اياه؛ ومن كان هذا شانه كان خليقا أن يستشعر مرارة الخيبة مضاعفة وان يبلغ من نفسه الألم مبلغا عظيما إذا لقيه الناس لا بمجافاته وأعراضهم عنه فحسب، بل بمدافعة آرائه كذلك ومجاهرته بالسوء من القول؛ وكان كذلك خليقا أن يغضب وأن يرد عمل أهل عصره إلى الغباء والجهل والجمود، وإنه ليوقن أن ما بينهم وبينه من فرق في الثقافة والمعرفة كمثل ما بين الظلمات والنور.
ولقد أفصح عن مبلغ ما كان يضطرم في نفسه من حنق على قومه، وعن مبلغ ازدرائه إياهم وسخره منهم في مقطوعتين نظمهما سنة ١٦٤٥؛ ففي الأولى راح يتهكم ويسخر من