اطلع الأستاذ توحيد بك على نقد في (الثقافة) لـ (أرواح وأشباح)، فحرك ذلك نشاطه لاستئناف البحث في هذه الملحمة الرفيعة تحليلاً لمغزى القصيدة، وتعقيباً على رأي الناقد.
(الرسالة)
هي الأرواح والأشباح المائلة في البشر أجمعين، ويمثلها أبطال يحييهم في المخيلة فن الشاعر المبتكر في تحفته العربية. ولا بأس بالعودة إلى الحديث في موضوعها: فإن التحف الفائقة من شأنها أن تحرك الخواطر والخوالج في كل وقت على الدهر، فيكثر الكلام عليها من كل وجه. فلننظر المرة فيما قدم إلينا هذا الشاعر المفلق من صنيع كما هو:
هو قصة الروح والجسد في محاورة مدارها السر في تجاذب الرجل والمرأة، وأثر الغريزة في الفن بينهما. وهذا موضوع جدي بعيد الغور، أحسن معالجته شاعر مثقف، وبناه على أساس متين من وجدانيات وفكر جديرة بالنظر
والفكرة الرئيسية في الموضوع، هي أن بين الروح والجسد تفاعلاً، وبين القيم الأخلاقية والغريزة تدافعاً؛ وإن هذا التفاعل وهذا التدافع هما العاملان الخفيان المسيران للحياة البشرية.
وهذه الفكرة الأصلية مستحكمة في صلب الصنيع، مرفرفة على كلامه من أوله إلى آخره؛ وهي لذلك أس الوحدة الجامعة لأطرافه، يؤيدها سائر الأسباب المتممة لهذه الوحدة المتينة.
أما خلاصة المحاورة فيما يتعلق بأثرالغريزة في الفن بين الرجل والمرأة، فهي أن المرأة تلهم الفنان بجمالها الجسدي وجمالها الروحي فيراها دمية صورت من نقاء، ويرى فيها ما لا تحد النهى، كأنها معنى وراء الخيال. غير أن الشهوة الجائعة فيها، بل الغريزة العاتية فيهما، توقعهما في الخطيئة؛ فالفنان يستلهم الشر سحر البيان، وتصير الفنون رمز الآثام. وتلك حال الآدمية، يريد الفن أن يعلو بها، فيقعدها الجسد بغرائزه. على أن أهل الفن منهم