مما يذكر لمصر عامة وللأزهر خاصة مقرونا بالفخر والإعجاب اليوم الثالث من شهر يولية سنة ١٩٤٨ م ففي هذا اليوم شهدت باريس لونا من ألوان النبوغ المصري، وشاهدا من شواهد التطور العلمي في الأزهر الحديث؛ ففي قاعة (ريشيليو) الكبرى بالسوربون نوقش فضيلة الأستاذ الشيخ محمد يوسف موسى أستاذ الفلسفة في الأزهر الشريف، لنيل درجة (دكتوراه الدولة في الفلسفة)؛ وقد تقدم الأستاذ موسى إلى تلك المناقشة برسالتين، الأولى موضوعها (الدين والفلسفة في رأي ابن رشد، وفلاسفة العصر الوسيط) وموضوع الثانية (التوجيه الفلسفي، أو ما بعد الطبيعة في القرآن). وكانت لجنة المناقشة والامتحان مكونة من خمسة أساتذة من السوربون والكولج دي فرانس كما هو المتبع دائما في دكتوراه الدولة. وقد رأس لجنة المناقشة البروفسور ليفي برفنسال، وشهد الامتحان أيضا الدكتور طه حسين بك، كما شهده أكثر من مائتي طالب مصري من طلبة البعثات في فرنسا، وكان الأستاذ موسى موفقا كل التوفيق في عرضه لنظريات رسالتيه ودفاعه عن آرائه فيهما، استمرت المناقشة خمس ساعات كاملة، ثم أعلنت اللجنة الأستاذ موسى قد نال درجة دكتوراه الدولة في الفلسفة بدرجةمشرف جداً والدرجة التي نالها الدكتور محمد يوسف هي أعلى درجة تنحها السوربون.
وعقب الامتحان أقبل أصدقاء الدكتور موسى من المصريين والفرنسيين يهنوئنه على ذلك النصر العلمي الباهر، وأشاد الدكتور طه حسين بك بفضله كثيرا في تلك البرهة. وقد دعت السوربون الدكتور موسى لإلقاء محاضرات عن فلسفة التشريع الإسلامي في القرآن باللغة العربية.
ألا إن هذه يوم من أيام الأزهر المشهودة، وإذا كنا نزف التهنئات إلى الدكتور محمد يوسف موسى على ذلك التوفيق الرائع، فإننا نسأل الله أن يعيده قريبا إلى جامعته الإسلامية الكبرى حتى يشارك مشاركة قوية في السير بها إلى الأمام.