أثارت المسألة الحبشية واعتداء الاستعمار الإيطالي على الحبشة نشاط المؤرخين والكتاب كما أثارت اهتمام الساسة والرأي العالمي، وظهرت في الآونة الأخيرة عدة كتب ومباحث تاريخية وسياسية واقتصادية وعسكرية عن إيطاليا والحبشة وكل ما يتعلق بتلك المشكلة الخطيرة التي ما زال يضطرب لها العالم كله منذ أشهر , وكان مما ظهر أخيراً في ذلك الموضوع كتاب للكاتب الإنكليزي أميل بيرنز عنوانه (الحبشة وإيطاليا) واميل بيرنز كاتب اشتراكي، وكتابه حملة قوية على الاستعمار الغربي، وأحدث فوراته ونزعاته أعني الاستعمار الإيطالي. ويقول الكاتب في مقدمته إنه يقصد بما يكتبأن يبين الأسباب التي تجثم وراء الحوادث ووراء ستار المظاهر الدبلوماسية؛ والحوادث الظاهرة هي اعتداء إيطاليا المسلح على الحبشة، وعمل إنكلترا وفرنسا السياسي في عصبة الأمم أو خارجها، وليس هذا العمل في نظر اميل بيرنز سوى مؤامرة استعمارية.
ويستمد أميل بيرنز أدلته من حوادث التاريخ الحبشي منذ سبعين عاماً؛ فتاريخ الحبشة يحفل خلال هذه الحقبة بمشاريع إنكلترا وفرنسا وإيطاليا ودسائسها المستمرة، وكل تغالب الأخرى في سبيل الحصول على النفوذ الأوفر في الحبشة؛ والرأسمالية الاستعمارية من وراء السياسة تحاول أن تضع قدمها في تلك الأرض الغنية. وليس عمل إيطاليا إلا اعتداء في سبيل الاستغلال والسلب؛ ذلك أن أحداً في العالم لم يصدق أن إقدام إيطاليا على اتخاذ هذه التدابير العسكرية كان من باب الضرورة والتحوط وليست لها صبغة اعتدائية، وأنها ليست إلا ضمانا للسلام والأمن ضد أمة همجية، ولم يدهش إنسان بعد ذلك أن يرى هذه الإجراءات تتخذ فجأة صبغة الغزو المسلح، وأن تتحدى إيطاليا رأي العالم المتمدن كله، ولم تقم الدول الاستعمارية الأخرى بعمل حاسم لمنع هذا الاعتداء، وإذا كانت قد فعلت شيئاً فذلك لأن الموقف النبيل الذي وقفه النجاشي كان مثاراً لإعجاب العالم وعطفه.
وقد كانت الحبشة فريسة الاعتداء المدبر، وكان لإيطاليا أن تحمد الفرصة السانحة من كل وجه وخصوصاً لأن موقف الحكومة القومية الإنكليزية في تأييد سياسة النازي (الهتلريين) في ألمانيا قد دفع فرنسا إلى أحضان إيطاليا وانتهزت إيطاليا هذه الفرصة لتضمن تأييد