ولد جي دي موبسان في قصر ميرومنسيل في نور منديا. وهو من جهة أبيه ينتسب إلى أسرة شريفة مفلسة، ومن جهة أمه إلى عيلة وضيعة من الفنانين. وكان والده رجلا فاسقا وأمه امرأة فاضلة. وعندما أخذ الابن يلاحظ ما بين أبيه وأمه من التناقض في الأخلاق والنزعات، أدرك وهن اتحادهما الذي هو إحدى ثمراته وراح يرتاد البحر ويود اقتحام غمرتنه، لاعتقاده أنه يمثل كل ما في الحياة من خير وشر، وبؤس ونعيم، فكان يقضي معظم أوقاته متجولا في السواحل برفقة كلبين كبيرين وكان من أحب الأشياء إليه الاشتراك مع قرويي نور منديا في الألعاب الرياضية تحت سماء غائمة وفي مهب الرياح الباردة، والرقص مع الصبايا على نغمات الرباب وفى ظل أشجار التفاح المزهرة وكان يجلس مع النوتية على صخور الشاطئ، ويقضي وقتا طويلا وهو ينظر بمنظاره إلى الأفق البعيد، متمنيا أن يتجه بزورقه في صباح نير من أيام فصل الربيع إلى ما وراء تلك الشواسع المائية من الموانئ المجهولة.
وأرادت أمه أن يترهب فأدخلته أحد الأديرة إلا أن موبسان لم يكن راغباً في الترهب فصرف المدة التي قضاها في الدير ثائراً متمرداً، لا يخضع لنظام ولا يتقيد بقاعدة وفى ذات يوم كسر غطاء أحد دنان الخمر وراح يكرع منها مع رفاقه التلامذة وعندئذ عيل صبر رئيس الدير فأمر بطرده.
ثم انصرف موبسان إلى درس الحقوق غير أن نشوب الحرب بين فرنسا وألمانيا عام ١٨٧٠ اضطر إلى هجر المدرسة ودخل في دائرة تموين الجيش. وبينما كان الجيش الفرنسي يتراجع أمام هجوم الألمان العنيف، وكان موبسان يطالع كتب شوينهور وينظم الأشعار في الحب، ويعلل النفس بالانتقام من العدو الذي أجتاح أرض بلاده، وداس حرمة أمته. ومن برودة الانتقام وحرارة الحب تكون مزاج هذا الكتاب الفني ولما انتهت الحرب بانتصار ألمانيا، قصد موبسان باريس على أمل أن يجيد عملا يساعده على متابعة دروسه فدخل موظفا في إحدى الدوائر البحرية ولم يكن بين رؤسائه ورفاقه من يعتقد بأن ذلك