للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضايا الكبرى في الإسلام]

١٥ - قتل الوليد بن يزيد

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

في سنة ست وعشرين ومائة ثار يزيد بن الوليد المُلَقَّبُ بالناقص على الوليد بن يزيد فقتله، وكان الوليد بن يزيد من فتيان بني أمية وظرفائهم وأجوادهم وأشدائهم، منهمكاً في اللهو والشرب وسماع الغناء، وكان يزيد بن الوليد يظهر النُّسُكَ ويتواضع، وهو الذي يقال فيه وفي عمر بن عبد العزيز: الناقص والأشج أعْدَلاَ بني مروان. أي عادِ لاُهمْ، ولا يجرون أفعل التفضيل على بابه، لأنها تقتضي نسبة العدل إلى غيرهما من بني مروان، ولم يكن في بني مروان عادل سواهما. وهكذا يقرن التاريخ ذلك الناقص بعمر بن عبد العزيز في العدل، مع أن عمر بن عبد العزيز لو عاش إلى زمانه ما فعل فعله في قتل أبن عمه من غير تحقيق في أمر ما نسب إليه، ولم يقم حول الوليد من الأخبار التي لا تمحيص فيها ما يسوغ الإقدام على قتله، وما يُشَكّكُ الناس في دينه من غير روية ولا تثبت، والقضاء أدق من التاريخ نظراً، وأقوى منه تثبتاً، لأنه لا يحكم إلا بالنية العادلة، والأصل عنده البراءة ما لم تقم أدلة قاطعة على الإدانة، فيجب أن يدرس ما نسب إلى الوليد درساً قضائياً، وأن يرجع إلى تحقيق ما نسب إليه من تهم، ليتبين أمر الوليد في ذلك بياناً عادلاً، ولا ينزل به إلى ذلك الحضيض الذي نزل به التاريخ إليه، وليتبين أمر ذلك الناقص الذي يشبهه الناس بعمر بن عبد العزيز، ولم يكن من ذلك الملك العادل في شيء، وإنما كان الذي يشبهه في زمنه أخ له لم يطمع في الملك طمعه، وسيكون قوله في هذه القضية هو القول الفصل.

كان يزيد بن عبد الملك قد جعل الأمر من بعده لأخيه هشام ابن عبد الملك، ثم جعل الأمر من بعد هشام لابنه الوليد، وكان سن الوليد في ذلك الوقت إحدى عشرة سنة، وقد عاش أبوه يزيد ذلك حتى بلغ خمس عشرة سنة، فكان يقول له: الله بيني وبين من جعل هشاماً بيني وبينك. وكأنه كان يعرف ما سيلقاه ابنه من أخيه هشام، فإنه لم يكد يتولى الملك بعد أخيه يزيد حتى أراد الوليد على خلع نفسه من ولاية العهد، ليجعل الأمر من بعده لابنه مَسْلَمةَ فأبى الوليد ذلك كل الإباء، فتنكر له هشام وأضرَّ به، وجعل يشيع حوله أخبار السوء لتسقط منزلته عند الناس، وكان يزيد يقول الشعر في الخمر والغزل، وله في ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>