أشعار جياد كان أبو نواس يأخذ منها، ويحذو حذوه فيها، وهذا إلى شغفه بسماع الغناء، وانصرافه عن الناس إلى مجالسه بين أرباب ذلك الفن، فوجد هشام في ذلك مرتعاً خصيبا للتزيُّد على الوليد، وتنقيصه عند الناس بما يشيعه حوله، حتى جعل كثيراً منهم ينظرون إليه نظرة سوء، ويتهمونه في دينه وعرضه، ولكنه على اجتهاده في ذلك لم يقدر أن يثبت عليه شيئاً يمكنه من خلعه من ولاية العهد، مع أن ملكه استمر من سنة خمس ومائة إلى سنة خمس وعشرين ومائة.
فلما ملك بعده الوليد بن يزيد لم ينس ما فعله معه عمه هشام، فأساء إلى أولاده، وأخذ سليمان بن هشام فضربه مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغرَّبه إلى عمَّان من أرض الشام، وكذلك أساء إلى أولاد عمه الوليد بن عبد الملك، ففرق بين روح بن الوليد وامرأته، وحبس عدة من إخوته، فأخذوا يرمونه بالكفر، ويشيعون بين الناس أنه يغشى أمهات أولاد أبيه، إلى غير ذلك من التهم إلى ستأتي بعد، وكان أشدهم في ذلك يزيد بن الوليد، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه كان يظهر النسك ويتواضع، فإذا أردنا تحقيق ذلك على الأجمال وجب أن نرجع فيه إلى رجل من بني أمية كان له خطره بينهم في ذلك الوقت، وهو العباس ابن الوليد أخو يزيد بن الوليد، وكان أمر أصدق، ولم يكن في بني أمية مثله، لأنه كان يتشبه بعمر بن عبد العزيز فرأيه في ذلك يرجع كل رأى، لتلك الصفات التي تحمله على قول الحق، ولأنه أخو يزيد بن الوليد فلا يتهم في شهادته عليه.
وقد مشى إليه أخوه يزيد فشكا إليه ما يجري على الناس من الوليد بن يزيد، فقال له: يا أخي إن الناس قد مَلوُّا بني مروان، وإن مشى بعضكم في إثر بعض أكِلتم، ولله أجل لا بد أن يبلغه، فانتظره.
ثم مشى إليه مرة أخرى هو وأخوه بِشر بن الوليد، فكلمه بشر في أن يخلع الوليد بن يزيد، فنهاه عن ذلك ثم قال له: يا بني مروان، أظن أن الله قد أذن في هلاككم، ثم قال:
إني أعيذكمُ بالله من فِتنٍ ... مثل الجبال تَسَامى ثم تَندفعُ
إن البرية قد مَلَّتْ سياستكم ... فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا
لا تُلْحِمُّن ذئابَ الناس أنفسكم ... إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا
لا تُبْقِرُنَّ بأيديكم بطونكم ... فَثَمَّ لا حسرة تُغْني ولا جَزَع