للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتب وشخصيات]

٢ - إبرهيم الثاني. . . للمازني

للأستاذ سيد قطب

خصائص المازني وفنه

أخيراً يهتدي المازني إلى نفسه ويمضي على نهجه، ويستغل أفضل مزاياه.

و (أخيراً) هذه تعني سنة ١٩٢٩ يوم أخرج المازني كتابه (صندوق الدنيا)، وإن كان قد نشره متفرقاً من قبل في صورة مقالات.

وإذا علمنا أن المازني بدأ ينشر سنة ١٩١٠ أو حواليها، فإننا نسأل: وفيم إذن أنفق أكثر من خمسة عشر عاماً قبل أن يتجه اتجاهه الأصيل؟

والجواب أنه أنفقها أولاً قي التمهيد والتحضير لدوره الأخير، وأنفقها ثانياً في التهيئة العامة للأذهان والأذواق، متابعاً في هذا وذلك زميله العقاد، مع بعد ما بين الرجلين في الطبيعة والاتجاه.

والواقع أنني لم أعجب لشيء عجبي لاقتران هذين الاسمين في الأذهان فترة طويلة من الزمان، وهما يكادان يتقابلان تمام التقابل في الطبيعة الفنية والإحساس بالحياة

فالعقاد موكل بالفكرة العامة والقاعدة الشاملة، والمازني موكل بالمثال المفرد والحادثة الخاصة؛ وبينما يضع العقاد يده مباشرة على مفتاح القضية أو الفكرة يمضي المازني في استعراض أجزائها ودقائقها مستلذاً هذا الاستعراض مشغولاً به عن كل ما عداه. وفي العقاد ثورة وزارية وسخط على النقائص والعيوب الكونية والاجتماعية والنفسية (وإن أدركه العطف على الضعف البشري)، ومع ثقته وتفاؤله بالحياة، وفي المازني قلة مبالاة وسخرية واستخفاف، وشيء من التشاؤم يبطنه بالفكاهة والشيطنة.

ومن هنا احتفال العقاد واهتمامه وجده فيما يأخذ وما يدع من الأمور حتى في فكاهته وسخريته؛ واستخفاف المازني وسهولة أخذه للمسائل والأشياء، وإن لم تنقصه الفطنة لما فيها من متناقضات

ومن الأمثلة الحاسمة التي يهيئها الاتفاق فتصور الفارق الأصيل بين اتجاهي التفكير

<<  <  ج:
ص:  >  >>