قرأنا في صحيفة (هنوفر شر كورير) الألمانية فصلاً كتبه لها مراسلها الخاص في القاهرة تحت عنوان (الشعراء المصريون وأثر الشعر في مجد مصر القومي) فرأينا أن نأتي على ترجمته ليرى قراء العربية كيف يكتب الأجانب عن حركتنا الأدبية وكيف يصورونها تصويراً يبعد أحياناً عن الحقيقة بمراحل؛ قال الكاتب: تبدو مصر بطرافة مشاعرها القومية وروعة سماءها وإقليمها وسحر ماضيها وصراعها المستمر في سبيل الحرية كأنها موطن الشعر، وتبدو وكأنها تذكي الفكر وتجذبه، بيد أن ترثها الأدنى، وبالأخص ترثها من الشعر السياسي والقومي يبدو متواضعاً جداً. ويرجع ذلك إلا أن شعب النيل منذ عهد النيل يرزح تحت صنوف الاستعباد والذلة؛ فبعد الإسكندر الأكبر جاء قياصرة روما، ثم قياصرة بيزنطية، ثم العرب، ثم الترك؛ وهكذا مزق صرح الوحدة القومية الذي لا بد منه لكل تقدم عقلي قومي؛ ومنذ عصر محمد علي أي منذ نحو قرن بدأ نماء هذا الصرح القومي وألف ختامه الظاهري أخيراً حيث استطاعت مصر أن تحقق حريتها السياسية وسيادتها القومية، بيد أنها رغم هذا الظاهر لا تزال من حيث الناحية المعنوية في المؤخرة.
وللجاليات الأجنبية التي تعيش في مصر منذ بعيد، رغم تطور مصر القومي أثر قوي في جميع مناحي الحياة؛ وقد كانت الدوائر الاجتماعية التي كان بوسعها أن تعمل على خلق نهضة ثقافية خاصة على اتصال دائم مع الأجانب، بيد أنها فيما يتعلق بشؤون الأسرة اتجهت إلى اسطنبول، لأن معظم رجال هذه الطبقة كانوا يتخذون زوجاتهم من التركيات، وهؤلاء طبعنا الحياة العائلية بطابعهن ولغتهن؛ بل لقد غلب التركية على العربية، وألقى بالعربية في الشارع حتى غدت في مستوى العامية، ولم تبقى اللغة الأدبية إلا في الدوائر الدينية، وبقى مثلها الأعلى لغة القرآن.
وتبوأ الدين زعامته إزاء الاستعباد المستمر وسحق الكرامة الوطنية، وسادت الفكرة الإسلامية كل نواحي الحياة العامة والاجتماعية؛ فحال ذلك دون نهضة الشعر القومي؛ وقامت ضد الفكرة الوطنية فكرة الجامعة الإسلامية، ولم تتخذ الفكرة السياسية لها مكاناً خاصاً بل غمرتها الفكرة الدينية فسارت في أثرها؛ وهكذا كان منحا الشعر السياسي فأنه