أليس عجيباً أن يتعارض المنطق من القانون؟ إن منطق الحياة ليقول: الحياة تبرر نفسها! ولكن القانون لا يخضع دائماً لمثل هذا القول! (الحياة تبرر نفسها) منطق عجيب حقاً بنسف دعائم الجريمة والعقاب، ومع ذلك فالقانون باق، وسنة الحياة لا تتغير! أجل. . . إن القانون يثور على المجرمين، ولكنه لا يفهم لماذا أجرموا؟ يصليهم العذاب في أركان مظلمة يسميها (دور التأديب والإصلاح)! ولكن هذه الدور تزداد دائماً، وتتسع، وتكتظ، ومع ذلك يصر على إنها ليست للإفساد، لسبب الانحطاط في طبقة ما من الأمة، ويتعلل بتدهور أخلاقها، ثم ينسى التفسير الصحيح لهذا التدهور، وكيف تسببت أعراضه وتفاقمت، لأنه لا يريد أن يقول: إنه الجوع أو الجهل، أو الحرمان أو الفقر بمعنى أقرب وأوضح. . .
هذه هي القصة، قصة المرأة التي خلقت التاريخ، وبقيت المحور الذي تدور عليه حوادث العالم حتى اليوم. . . رأيتها بالأمس تسير الهوينا إلى جانب الطريق: تتصفح الوجوه صفحة صفحة بعينين لهما منطق مفضوح! لقد طال سيرها على غير هدى، حتى كاد التعب يهوي بفرعها إلى الأرض، فأسندت ظهرها إلى جذع شجرة عتيقة كمن يريد انتظار شيء معلوم. . . فوقفت على بعد منها، لأني لمحت على وجهها سمة التضليل واضحة، ولم يخف عني أنها تنتظر المجهول. . . المجهول الذي يقودها من هذه السوق التي أقامتها مدنية القرن العشرين لتجارة الرق المشروعة، فماذا رأيت؟ رأيت قطعة من جسم الإنسانية، تتمرغ في الوحل، والناس يطربون لهذا المنظر البشع، ويتهافتون على مشاهدته، فبعضهم من ذوي (الرؤوس البيضاء) كانوا يرمقونها بنظرة التهكم والسخرية؛ أما البعض الآخر فمن ذوي الشعور اللامعة والحواجب المزججة، فإنهم يصارعونها النظرات أولاً ثم يفتشون في مظهر الثديين، ثم يهبطون بأنظارهم حتى قدميها، وكثيراً ما كان بعضهم يتعمد المرور من ورائها ليطمئن إلى حكمه الأخير! وهم لا يكفون عن اللف والدوران، وكأنهم جيوش من النحل تطوف حول زهرة من أزهار الربيع. . . إن منظرها على هذا الوضع ليضايقني ويثير في غيرة لا أعرف مصدرها، لعلها الثورة على الإنسانة الذليلة، أو لعلها الأنانية التي لا يخلو من بعضها كائن بشري. . . وجدتني مضطراً إلى الابتعاد، فقد كان