أما بالإضافة إلى إيطاليا فمجرد النظر في (الكتاب السنوي للصحافة الإيطالية) وفي صفحاته التي تربي على الألف صفحة كاف لأن تتكشف معه الحقيقة عن أمر تلك العبودية التي انتظمت الصحافة الفاشية فأمست خاضعة لها. ولقد كانت كبريات الصحف الإيطالية مثل صحيفة (الكورييري دلاسيرا) التي تصدر من ميلان وصحيفة (الاستمبا) التي تطبع في ثورين - وحسبنا منها هاتان الصحيفتان - تنافس أعظم الصحف في أوربا وتناهضها قبل أن تبتدع الفاشية نظاماً. بينما كان الصحفيون الإيطاليون ينعمون في كتاباتهم بنصيب من الألمعية وبراعة الأسلوب ورقة العبارة لا يطاولهم فيه أحد
ولقد انتهى أمرهم اليوم إلى أن نظموا في سلك (النقابات) والجمعيات الرسمية وأمسوا وهم لا يستطيعون أن يؤدوا عملهم ما لم تدون أسماؤهم في سجل المهنة، ليكون ذلك شاهداً على استقامة رأيهم وسلامة عقيدتهم في النظام الفاشي. ولقد حددت مركزهم تلك الأوامر (الملكية) المعقدة تعقيداً لا حد له، وصيرتهم موظفين مؤتمرين بأوامر تلك الفئة الوحيدة التي تحكم الدولة. ولقد تلقى الصحفيين الإيطاليون درساً قاسياً عرفوا منه ما ينتهي إليه التمرد على الفاشية من مصير وخيم. فقد رأوا أنبل الناس نفساً واوفرهم استقامة بين ظهرانيهم يضربون بتلك الهراوة الفاشية ضرباً مبرحاً، وقد يكون مميتا - كما كان من أمر (جيوفاني أمندولا) - أو يحكم عليهم بمدد طويلة في الأشغال الشاقة، أو يرسلون إلى معسكرات ضاقت بمن سيقوا إليها أو زجوا فيها، أو يوضعون تحت مراقبة البوليس في الحالات الأخف وزناً وفي المخالفات الأقل خطورة وحتى أولئك الذين أمكنهم أن يهربوا من إيطاليا كالمرحوم (كارلو روزلي) وقد أدركوا أنهم لم يكونوا بمنجى من أن تصل إليهم أيدي المجرمين ومدى السفاحين.
لذلك نجد في الفصل الذي عنوانه:(روح الصحافة الفاشية وكيانها) - المذيل بعبارة عهد